للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَرَادَ فَتْحَ مَكَّةَ وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ) أَيْ خَاطِبًا وَكَانَ قِيَامُهُ ثَانِيَ الْفَتْحِ «فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ» تَعْرِيفًا لَهُمْ بِالْمِنَّةِ الَّتِي مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْهِمْ وَهِيَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ (وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ) فَفَتَحُوهَا عَنْوَةً «وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» هِيَ سَاعَةُ دُخُولِهِ إيَّاهَا «وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ صَيْدُهَا» أَيْ لَا يُزْعِجُهُ أَحَدٌ وَلَا يُنَحِّيهِ عَنْ مَوْضِعِهِ (وَلَا يُخْتَلَى) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْضًا (شَوْكُهَا) أَيْ لَا يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ (وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا) أَيْ لُقَطَتُهَا وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي رِوَايَةٍ (إلَّا لِمُنْشِدٍ) أَيْ مُعَرِّفٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ: مُنْشِدٌ وَطَالِبُهَا نَاشِدٌ «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» أَمَّا أَخْذُ الدِّيَةِ أَوْ قَتْلُ الْقَاتِلِ «فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ «فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ عَنْوَةً لِقَوْلِهِ (لَمْ تَحِلَّ) وَقَوْلُهُ (سَلَّطَ) عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ (لَا تَحِلُّ) وَعَلَى ذَلِكَ الْجَمَاهِيرُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَسِّمْهَا عَلَى الْغَانِمِينَ كَمَا قَسَّمَ خَيْبَرَ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَجَعَلَهُمْ الطُّلَقَاءَ وَصَانَهُمْ عَنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لِلنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَاغْتِنَامِ الْأَمْوَالِ إفْضَالًا مِنْهُ عَلَى قَرَابَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ؛ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنَّهُ لَا يُحَارَبُ أَهْلُهُ وَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِجَوَازِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ. وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِتَالِ لِاعْتِذَارِهِ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ مَعَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا إذْ ذَاكَ مُسْتَحَقِّينَ لِلْقِتَالِ لِصَدِّهِمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ مِنْهُ وَكُفْرِهِمْ وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَتَأَكَّدُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ تَرَخَّصَ أَحَدٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» فَدَلَّ أَنَّ حِلَّ الْقِتَالِ فِيهَا مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ تَنْفِيرِ صَيْدِهَا وَبِالْأَوْلَى تَحْرِيمُ قَتْلِهِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ شَوْكِهَا وَيُفِيدُ تَحْرِيمُ قَطْعِ مَا لَا يُؤْذِي بِالْأَوْلَى.

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى جَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>