٢٩٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ".
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ] مُطْلَقٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ وَالْأَخِيرِ [فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ] بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ: «يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ؛ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ - وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ].
هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَيَّدَتْ إطْلَاقَ الْأُولَى وَأَبَانَتْ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ؛ وَيَدُلُّ التَّعْقِيبُ بِالْفَاءِ أَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَ الدُّعَاءِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ بِمَا شَاءَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ مِمَّا ذُكِرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ؛ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْهُمْ: وَيَجِبُ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، عَمَلًا مِنْهُ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ " طَاوُسٌ " ابْنَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ يَسْتَعِذْ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ، وَبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَهَا، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَالْمُرَادُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ، وَأَعْظَمُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: هِيَ الِابْتِلَاءُ مَعَ عَدَمِ الصَّبْرِ. وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا: الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا السُّؤَالَ مَعَ الْحَيْرَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ: «إنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» وَلَا يَكُونُ هَذَا تَكْرِيرًا لِعَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " فِتْنَةُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " قَالَ الْعُلَمَاءُ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْفِتْنَةُ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ " وَالْمَسِيحُ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَفِيهِ ضَبْطٌ آخَرُ، وَهَذَا الْأَصَحُّ، وَيُطْلَقُ عَلَى الدَّجَّالِ، وَعَلَى " عِيسَى "، وَلَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ الدَّجَّالُ قُيِّدَ بِاسْمِهِ، سُمِّيَ الْمَسِيحَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ. أَمَّا عِيسَى فَقِيلَ لَهُ الْمَسِيحُ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ؛ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إلَّا بَرِئَ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ أَنَّهُ جَمَعَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ خَمْسِينَ قَوْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute