٤٥٢ - وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّ «رَكْبًا جَاءُوا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد - وَهَذَا لَفْظُهُ - وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَالَ لَهُ كُرَيْبٌ «إنَّهُ صَامَ أَهْلُ الشَّامِ وَمُعَاوِيَةُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالشَّامِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ آخِرَ الشَّهْرِ وَأُخْبِرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ قَالَ قُلْت أَوَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَالنَّاسِ؟ قَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ كُرَيْبًا مِمَّنْ رَآهُ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ.
وَذَهَبَ إلَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ يَجِبُ مُوَافَقَةُ النَّاسِ، وَإِنْ خَالَفَ يَقِينَ نَفْسِهِ وَكَذَا فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ " وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ " وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي نَفْسِهِ بِمَا تَيَقَّنَهُ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يُخَالِفُ النَّاسَ فَإِنَّهُ إذَا انْكَشَفَ بَعْدَ الْخَطَأِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا فَعَلَ.
قَالُوا: وَتَتَأَخَّرُ الْأَيَّامُ فِي حَقِّ مَنْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ وَعَمِلَ بِالْأَصْلِ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ لِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ فِي الشَّامِ، وَالْحِجَازِ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ كُرَيْبًا بِالْعَمَلِ بِخِلَافِ يَقِينِ نَفْسِهِ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ؛ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.
(وَعَنْ أَبِي عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ أَبُو عُمَيْرِ ابْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ يُقَالُ إنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَمَّرَ بَعْدَ أَبِيهِ زَمَانًا طَوِيلًا (عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ «رَكْبًا جَاءُوا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ)، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ حَزْمٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ أَبَا عُمَيْرٍ مَجْهُولٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهُ مَنْ صَحَّحَ لَهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَيْثُ انْكَشَفَ الْعِيدُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِطْلَاقُ بِالنَّظَرِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute