للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٩٥ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ ظُلُمَاتٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَهْتَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبِيلًا حَيْثُ يَسْعَى نُورُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُرِيدُ بِالظُّلُمَاتِ الشَّدَائِدَ، وَبِهِ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أَيْ مِنْ شَدَائِدِهِمَا وَقِيلَ: إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ النَّكَالِ، وَالْعُقُوبَاتِ.

(وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) فِي الشُّحِّ وَفِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُخْلِ أَقْوَالٌ فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ الشُّحِّ: إنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْبُخْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبُخْلِ وَقِيلَ هُوَ الْبُخْلُ مَعَ الْحِرْصِ، وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ عَامٌّ، وَقِيلَ الْبُخْلُ بِالْمَالِ خَاصَّةً وَالشُّحُّ بِالْمَالِ، وَالْمَعْرُوفِ، وَقِيلَ الشُّحّ الْحِرْصُ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَالْبُخْلُ بِمَا عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مِنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْهَلَاكَ الدُّنْيَوِيَّ الْمُفَسَّرَ بِمَا بَعْدَهُ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ "، وَهَذَا هَلَاكٌ دُنْيَوِيٌّ، وَالْحَامِلُ لَهُمْ هُوَ شُحُّهُمْ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ وَازْدِيَادِهِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ ذَهَابِهِ فِي النَّفَقَاتِ فَضَمُّوا إلَيْهِ مَالَ الْغَيْرِ صِيَانَةً لَهُ وَلَا يُدْرَكُ مَالُ الْغَيْرِ إلَّا بِالْحَرْبِ، وَالْغَضَبِيَّةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْقَتْلِ وَاسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْهَلَاكُ الْأُخْرَوِيُّ، فَإِنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَمَّا اقْتَرَفُوهُ مِنْ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَظَالِمِ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي ذَمِّ الشُّحِّ، وَالْبُخْلِ كَثِيرَةٌ، وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَفِي الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ، وَالْحَزَنِ - إلَى قَوْلِهِ - وَالْبُخْلِ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ (فَإِنْ قُلْت) وَمَا حَقِيقَةُ الْبُخْلِ الْمَذْمُومِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا، وَهُوَ يَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ غَيْرُ بِخَيْلٍ وَيَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>