٥٤ - «وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
وَلَا مَغْصُوبٍ لِوُجُوبِ نَزْعِهِ. هَذَا وَحَدِيثُ " الْمُغِيرَةِ " لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْمَسْحِ، وَلَا كَمِّيَّتَهُ، وَلَا مَحَلَّهُ، وَلَكِنَّ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إلَّا النَّسَائِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ»، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ؛ وَيَأْتِي مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ ضَعْفِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ بِكَاتِبِ " الْمُغِيرَةِ " هَذَا، وَكَذَلِكَ بَيَّنَ مَحَلَّ الْمَسْحِ وَعَارَضَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ هَذَا.
وَعَنْ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: [لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ] أَيْ بِالْقِيَاسِ وَمُلَاحَظَةِ الْمَعَانِي [لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ] أَيْ مَا تَحْتَ الْقَدَمَيْنِ أَوْلَى بِالْمَسْحِ الَّذِي هُوَ عَلَى أَعْلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُبَاشِرُ الْمَشْيَ، وَيَقَعُ عَلَى مَا يَنْبَغِي إزَالَتُهُ، بِخِلَافِ أَعْلَاهُ وَهُوَ مَا عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ [وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ] [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ] قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَالْحَدِيثُ فِيهِ إبَانَةٌ لِمَحَلِّ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُهُمَا لَا غَيْرُ وَلَا يُمْسَحُ أَسْفَلُهُمَا.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ؛ ثُمَّ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ، وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ الْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ؛ وَهَذَا لِلشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، كَأَنِّي أَنْظُرُ أَصَابِعَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفِي بِتِلْكَ الصِّفَةِ. مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَهِيَ الَّتِي أَفَادَهَا حَدِيثُ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا.
وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إلَّا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَقِيلَ: وَلَوْ بِأُصْبُعٍ؛ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا مَسَحَ أَكْثَرَهُ، وَحَدِيثُ " عَلِيٍّ " وَحَدِيثُ " الْمُغِيرَةِ " الْمَذْكُورَانِ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ؛ نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ»] قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَى بَعْضَ مَنْ عَلَّمَهُ الْمَسْحَ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute