للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٩٧ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَعْجَبَنِي الْحَالَ الَّتِي رَآنِي عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَك أَجْرَانِ» وَفِي الْكَشَّافِ مِنْ حَدِيثِ «جُنْدَبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: لَك أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ»، وَقَدْ يُرَجَّحُ هَذَا الظَّاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ الثَّنَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُنَافِي الْإِخْلَاصَ وَلَا تُعَدُّ مِنْ الرِّيَاءِ وَيُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي " لِمَحَبَّتِهِ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الرِّيَاءُ فِي مَحَبَّتِهِ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْعَمَلَ عَنْ كَوْنِهِ خَالِصًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَحَبَّةِ الثَّنَاءِ مِنْ الْمُطَّلِعِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَحَبَّةٍ لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَعَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ فَيُعْجِبُهُ أَيْ يُعْجِبُهُ شَهَادَةُ النَّاسِ لَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ» وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا مُجَرَّدُ السُّرُورِ بِاطِّلَاعِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَمْرُهُ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ فَبَعِيدٌ أَنْ يُفْسِدَ الْعِبَادَةَ.

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آيَةُ الْمُنَافِقِ أَيْ عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَابِعَةٌ، وَهِيَ «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، وَالْمُنَافِقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ هَذِهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ كُلُّهَا فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ قَدْ تُوجَدُ فِي الْمُؤْمِنِ الْمُصَدِّقِ الْقَائِمِ بِشَرَائِعِ الدِّينِ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: وَالْأَكْثَرُونَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ - إنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ هِيَ خِصَالُ الْمُنَافِقِينَ، فَإِذَا اتَّصَفَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَشْبَهَ الْمُنَافِقَ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ النِّفَاقِ مَجَازًا، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنْ النَّاسِ لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ، وَقِيلَ: إنَّ هَذَا كَانَ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي أَيَّامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَدَّثُوا بِإِيمَانِهِمْ فَكَذَبُوا وَائْتُمِنُوا عَلَى رُسُلِهِمْ فَخَانُوا وَوَعَدُوا فِي الدِّينِ بِالنَّصْرِ فَغَدَرُوا وَأَخْلَفُوا وَفَجَرُوا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>