١١٣٧ - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ قَالَ: «كَانَ فِي أَبْيَاتِنَا رُوَيْجِلٌ ضَعِيفٌ، فَخَبَثَ بِأَمَةٍ مِنْ إمَائِهِمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعِيدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: اضْرِبُوهُ حَدَّهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» فَفَعَلُوا، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ.
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْكَافِرِ إذَا زَنَى، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَمُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْإِحْصَانِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَرَدَّ قَوْلَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ لَا يَشْتَرِطَانِ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُمَا وُقُوعُ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا كَانَا قَدْ أَحْصَنَا وَقَدْ أَجَابَ مَنْ اشْتَرَطَ الْإِسْلَامَ عَنْ الْحَدِيثِ هَذَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِمَا فِي كِتَابِهِمَا فَإِنَّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى الْمُحْصَنِ وَعَلَى غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّمَا رَجْمُهُمَا لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمَا بِمَا لَا يَرُدُّهُ فِي شَرْعِهِ مَعَ قَوْلِهِ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَدْعَى شُهُودَهُمَا لِتَقُومَ عَلَيْهِمَا الْحُجَّةُ مِنْهُمْ، وَرَدَّهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَإِنَّمَا جَاءَهُ الْقَوْمُ سَائِلِينَ الْحُكْمَ عِنْدَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ فَنَبَّهَهُمْ عَلَى مَا كَتَمُوهُ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ مُخَالِفًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمَنْسُوخِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِالنَّاسِخِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى احْتِمَالُ الْقِصَّةِ لِلْأَمْرَيْنِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ دَلَّتْ الْقِصَّةُ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِحْصَانِ فَرْعٌ مِنْ ثُبُوتِ صِحَّتِهِ وَأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ، كَذَا قِيلَ.
قُلْت: أَمَّا الْخِطَابُ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْعِهِ لَا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ.
(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) هُوَ أَنْصَارِيٌّ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: صُحْبَتُهُ صَحِيحَةٌ كَانَ وَالِيًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْيَمَنِ (قَالَ كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا) جَمْعُ بَيْتٍ (رُوَيْجِلٌ) تَصْغِيرُ رَجُلٍ (ضَعِيفٌ فَخَبَثَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمُوَحَّدَةٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيْ فَجَرَ (بِأَمَةٍ مِنْ إمَائِهِمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute