١٠٩٢ - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ شَيْئًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ الْآيَةِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقَادُ بِالْمَرْأَةِ وَيُوَفَّى وَرَثَتُهُ نِصْفَ دِيَتِهِ قَالُوا: لِتَفَاوُتِهِمَا فِي الدِّيَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَرُدَّ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الدِّيَةِ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي النَّفْسِ وَلِذَا يُقْتَلُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْجُرُوحِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْمُقْتَصُّ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْجُرْحِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وَقَوْلِهِ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَرَّضَ غَرَّضْنَا لَهُ وَمَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» أَيْ مَنْ اتَّخَذَهُ غَرَضًا لِلسِّهَامِ، وَهَذَا يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي قُتِلَ بِهِ يَجُوزُ فِعْلُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَنْ قُتِلَ بِالسِّحْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا قَتَلَ بِاللِّوَاطِ، أَوْ بِإِيجَارِ الْخَمْرِ أَنَّهُ يَدُسُّ فِيهِ خَشَبَةً وَيُوجِرُ الْخَلَّ وَقِيلَ: يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الِاقْتِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ طُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاحْتَجُّوا بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِمَا ذُكِرَ.
وَفِي قَوْلِهِ (فَأَقَرَّ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَاحِدَةً إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ كَرَّرَ الْإِقْرَارَ.
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ شَيْئًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ).
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْفَقِيرِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْغُلَامِ فِيهِ الْمَمْلُوكَ فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ، فَهُوَ يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ خَطَأً، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute