١١٨٤ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَالْأَحَادِيثُ غَيْرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ عَلَى دِينِهِ قَالُوا: وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَ الْهِجْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ لَا هِجْرَةَ يُرَادُ بِهِ نَفْيُهَا عَنْ مَكَّةَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ مَكَّةَ قَبْلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ فَرْضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَتْ بِالْأَصَالَةِ هِيَ الْقَصْدُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ كَانَ وَقَوْلُهُ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إلَى الْمَدِينَةِ قَدْ انْقَطَعَتْ إلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ مِنْ الْفِتَنِ وَالنِّيَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَجِهَادٌ مَعْطُوفٌ بِالرَّفْعِ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ لَا:.
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي الْحَدِيثِ هُنَا اخْتِصَارٌ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ «قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ» الْحَدِيثَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكْتَبُ أَجْرُهُ لِمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ خَلَا عَنْ هَذِهِ الْخَصْلَةِ فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا قَصْدُ غَيْرِهَا وَهُوَ الْمَغْنَمُ مَثَلًا هَلْ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَا.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُ الْمَقْصِدِ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّ مَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ ضِمْنًا، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ التَّشْرِيكِ لِأَنَّهُ قَدْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي فَضِيلَةَ الْحَجِّ فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ؛ فَعَلَى هَذَا الْعُمْدَةُ الْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إلَيْهِ ضِمْنًا؛ وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْقَصْدَانِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرَّ إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute