للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَعَنْ " ابْنِ عُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى عَلَى الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ». قَالَ الْعُلَمَاءُ: خُصَّتْ السَّبَّابَةُ بِالْإِشَارَةِ لِاتِّصَالِهَا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ، فَتَحْرِيكُهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: [وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِاَلَّتِي تَلِيَ الْإِبْهَامَ]. وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مَجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَقَوْلُهُ: " وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ " قَالَ الْمُصَنَّفُ فِي التَّلْخِيصِ: صُورَتُهَا أَنْ يَجْعَلَ الْإِبْهَامَ مَفْتُوحَةً تَحْتَ الْمُسَبِّحَةِ، وَقَوْلُهُ " أَصَابِعَهُ كُلَّهَا " أَيْ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى قَبَضَهَا عَلَى الرَّاحَةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ؛ وَفِي رِوَايَةِ " وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ": " حَلَّقَ بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى " أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.

فَهَذِهِ ثَلَاثُ هَيْئَاتٍ جَعَلَ الْإِبْهَامَ تَحْتَ الْمُسَبِّحَةِ مَفْتُوحَةً، وَسَكَتَ فِي هَذِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ، هَلْ تُضَمُّ إلَى الرَّاحَةِ أَوْ تَبْقَى مَنْشُورَةً عَلَى الرُّكْبَةِ؟ الثَّانِيَةُ ضَمُّ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا عَلَى الرَّاحَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ. الثَّالِثَةُ التَّحْلِيقُ بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِشَارَةِ كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَلَا يُحَرِّكُهَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْته يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَةَ لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا، حَتَّى لَا يُعَارِضَ حَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

وَمَوْضِعُ الْإِشَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيَنْوِي بِالْإِشَارَةِ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ فِيهِ؛ فَيَكُونُ جَامِعًا فِي التَّوْحِيدِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ، وَلِذَلِكَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأُصْبُعَيْنِ وَقَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ لِمَنْ رَآهُ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ»؛ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ؛ وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ شَغْلُ كُلِّ عُضْوٍ بِعِبَادَةٍ.

وَوَرَدَ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ " ابْنِ عُمَرَ ": «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْقَمَ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ» وَفَسَّرَ الْإِلْقَامَ بِعِطْفِ الْأَصَابِعِ عَلَى الرُّكْبَةِ، وَذَهَبَ إلَى هَذَا بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَالَ: وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ مَنْعُ الْيَدِ عَنْ الْعَبَثِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ " ابْنِ عُمَرَ ": [وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ] إشَارَةٌ إلَى طَرِيقَةٍ مَعْرُوفَةٍ تَوَاطَأَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ فِي عُقُودِ الْحِسَابِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْآحَادِ، وَالْعَشْرَاتِ، وَالْمَئِينِ، وَالْأُلُوفِ. أَمَّا الْآحَادُ: فَلِلْوَاحِدِ عَقْدُ الْخِنْصَرِ إلَى أَقْرَبِ مَا يَلِيهِ مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ، وَلِلِاثْنَيْنِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ مَعَهَا كَذَلِكَ، وَلِلثَّلَاثَةِ عَقْدُ الْوُسْطَى مَعَهَا كَذَلِكَ، وَلِلْأَرْبَعَةِ حَلُّ الْخِنْصَرِ، وَلِلْخَمْسَةِ حَلُّ الْبِنْصِرِ مَعَهَا دُونَ الْوُسْطَى، وَلِلسِّتَّةِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ وَحَلُّ جَمِيعِ الْأَنَامِلِ، وَلِلسَّبْعَةِ بَسْطُ الْبِنْصِرِ إلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ، وَلِلثَّمَانِيَةِ بَسْطُ الْبِنْصِرِ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، وَلِلتِّسْعَةِ بَسْطُ الْوُسْطَى فَوْقَهَا كَذَلِكَ.

وَأَمَّا الْعَشَرَاتُ: فَلَهَا الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ، فَلِلْعَشَرَةِ الْأُولَى عَقْدُ رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ، وَلِلْعِشْرِينَ إدْخَالُ الْإِبْهَامِ بَيْنَ السَّبَّابَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>