للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الْوَصَايَا

٩٠٤ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

الْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ، وَهِيَ شَرْعًا عَهْدٌ خَاصٌّ يُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) كَلِمَةُ " مَا " نَافِيَةٌ بِمَعْنَى لَيْسَ، " وَحَقُّ " اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا مَا بَعْدَ إلَّا، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ فِي الْخَبَرِ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بِإِلَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ مَا الْحَزْمُ، وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ إذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ، وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ بِقِلَّةٍ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ " عَلَى "، وَنَحْوِهِ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَفِي قَوْلِهِ " يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ " مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَمْ لَا فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَذَهَبَ دَاوُد، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى وُجُوبِهَا، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا مُسْتَدِلًّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقْرَبُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أَنْ يَضِيعَ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ، وَدَيْنٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَمَعَهُ مَالٌ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِهِ، وَمَا انْتَفَى فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وُجُوبَ، وَقَوْلُهُ " لَيْلَتَيْنِ " لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ، وَإِلَّا فَقَدْ رُوِيَ ثَلَاثَ لَيَالٍ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ تَسَامُحٌ فِي إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَانًا، وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ أَبِتْ لَيْلَةً إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>