٥٩٢ - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ
لَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ وَجْهَهُ وَفِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ لِلْمُنْذِرِيِّ فِي إسْنَادِهِ أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالدَّالَانِيِّ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَإِعْطَاؤُهَا مَنْ هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهَا وَكَوْنُ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الْفِعْلِ
(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) أَكْثَرُ التَّفَاسِيرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي وَالسُّفْلَى يَدُ السَّائِلِ وَقِيلَ: يَدُ الْمُتَعَفِّفِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ يَمُدَّ إلَيْهِ الْمُعْطِي وَعُلُوُّهَا مَعْنَوِيٌّ، وَقِيلَ: يَدُ الْآخِذِ لِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَقِيلَ: الْعُلْيَا الْمُعْطِيَةُ وَالسُّفْلَى الْمَانِعَةُ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ: الْيَدُ الْآخِذَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُعْطِيَةِ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إلَّا قَوْمًا اسْتَطَابُوا السُّؤَالَ فَهُمْ يَحْتَجُّونَ لِلدَّنَاءَةِ وَنِعْمَ مَا قَالَ.
وَقَدْ وَرَدَ التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ بِأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا الَّتِي تُعْطِي وَلَا تَأْخُذُ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْيَدُ الْعُلْيَا» فَذَكَرَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُمْ الْأَهَمُّ.
وَفِيهِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ إخْرَاجِهَا صَاحِبُهَا مُسْتَغْنِيًا إذْ مَعْنَى " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ " مَا أَبْقَى الْمُتَصَدِّقُ مِنْ مَالِهِ مَا يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى حَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَنْدَمُ غَالِبًا وَيُحِبُّ إذَا احْتَاجَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ، وَلَفْظُ الظَّهْرِ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُورَدُ فِي مِثْلِ هَذَا اتِّسَاعًا فِي الْكَلَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَدَقَةِ الرَّجُلِ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّهُ جَوَّزَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ وَمَعَ جَوَازِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثُّلُثِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْفَاقَةِ وَلَا عِيَالَ لَهُ أَوْ لَهُ عِيَالٌ يَصْبِرُونَ فَلَا كَلَامَ فِي حُسْنِ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) أَيْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (يُعِفَّهُ اللَّهُ) أَيْ يُعِينُهُ اللَّهُ عَلَى الْعِفَّةِ (وَمَنْ يَسْتَغْنِ) بِمَا عِنْدَهُ وَإِنْ قَلَّ (يُغْنِهِ اللَّهُ) بِإِلْقَاءِ الْقَنَاعَةِ فِي قَلْبِهِ وَالْقَنُوعِ بِمَا عِنْدَهُ.