بَابُ حَدِّ الشَّارِبِ وَبَيَانِ الْمُسْكِرِ
١١٦١ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
بِالسَّرِقَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّالِمَ يُخَفَّفُ عَنْهُ بِدُعَاءِ الْمَظْلُومِ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ لَيَظْلِمَ مَظْلِمَةً فَلَا يَزَالُ الْمَظْلُومُ يَشْتُمُ الظَّالِمَ وَيَنْتَقِصُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَيَكُونَ لِلظَّالِمِ الْفَضْلُ عَلَيْهِ؛ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ» فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ الْمُنْتَصِرَ مِنْ الْبَغِيِّ وَمَدَحَ الْعَافِي عَنْ الْجُرْمِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَاغِي وَقِحًا ذَا جُرْأَةٍ وَفُجُورٍ وَالثَّانِي عَلَى مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ نَادِرًا فَتُقَالُ عَثْرَتُهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: إنْ كَانَ الِانْتِصَارُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ النَّفْسِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْلِيلِ مِنْ الظُّلَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: كَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يَحْلِلْ أَحَدًا مِنْ عَرَضٍ وَلَا مَالٍ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَابْنُ سِيرِينَ يَحِلَّانِ مِنْهُمَا. وَرَأَى مَالِكٌ التَّحْلِيلَ مِنْ الْعَرَضِ دُونَ الْمَالِ.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ أَيْ أَنَسٌ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْخَمْرُ مَصْدَرُ خَمَرَ كَضَرَبَ وَنَصَرَ خَمْرًا يُسَمَّى بِهِ الشَّرَابُ الْمُعْتَصَرُ مِنْ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ. وَيُقَالُ: خُمْرَةٌ وَفِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ:
(الْأُولَى): أَنَّ الْخَمْرَ تُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ حَقِيقَةً إجْمَاعًا وَتُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا أَسْكَرَ مِنْ الْعَصِيرِ أَوْ مِنْ النَّبِيذِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ أَوْ لَا؟ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: الْعُمُومُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ وَمَا بِالْمَدِينَةِ خَمْرُ عِنَبٍ مَا كَانَ إلَّا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ وَسُمِّيَتْ خَمْرًا، قِيلَ: لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ تَسْتُرُهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ السَّاتِرَةِ لِلْعَقْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُغَطَّى حَتَّى تَشْتَدَّ يُقَالُ: خَمَرَهُ أَيْ غَطَّاهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى اسْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute