٣٥ - وَعَنْهُ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وُضُوئِهِ، وَثَبَتَ ذِكْرُهُمَا أَيْضًا، وَذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ النَّدْبِ.
وَقَوْلُهُ: يَبِيتُ الشَّيْطَانُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنَّ الْأَنْفَ أَحَدُ مَنَافِذِ الْجِسْمِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَلْبِ مِنْهَا بِالِاشْتِمَامِ، وَلَيْسَ مِنْ مَنَافِذِ الْجِسْمِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ غَلْقٌ سِوَاهُ وَسِوَى الْأُذُنَيْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا» وَجَاءَ فِي التَّثَاؤُبِ الْأَمْرُ بِكَظْمِهِ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ حِينَئِذٍ فِي الْفَمِ، وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِعَارَةُ، فَإِنَّ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْ الْغُبَارِ مِنْ رُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ، قُلْت: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
[وَعَنْهُ] أَيْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ» خَرَجَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ بِالْمِغْرَفَةِ لِيَسْتَخْرِجَ الْمَاءَ، جَائِزٌ، إذْ لَا غَمْسَ فِيهِ لِلْيَدِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: [لَا يُدْخِلُ] لَكِنْ يُرَادُ بِهِ إدْخَالُهَا لِلْغَمْسِ لَا لِلْأَخْذِ [فِي الْإِنَاءِ] يَخْرُجُ الْبِرَكُ وَالْحِيَاضُ «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ].
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ غَسْلِ الْيَدِ لِمَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَقَالَ بِذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَحْمَدَ، لِقَوْلِهِ: بَاتَتْ، فَإِنَّهُ قَرِينَةُ إرَادَةِ نَوْمِ اللَّيْلِ كَمَا سَلَفَ، إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي إلْحَاقَ نَوْمِ النَّهَارِ بِنَوْمِ اللَّيْلِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي رِوَايَةٍ: فَلْيَغْسِلْ لِلنَّدَبِ، وَالنَّهْيِ الَّذِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلْكَرَاهَةِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ، فَإِنَّ ذِكْرَهُ فِي غَيْرِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ دَلِيلُ النَّدْبِ، وَلِأَنَّهُ عُلِّلَ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ، وَالشَّكُّ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْحُكْمِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِالثَّلَاثِ الْغَسْلَاتِ، وَهَذَا فِي الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ.
وَأَمَّا مَنْ يُرِيدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لِمَا أَمَرَ فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ؛ وَلَا يُكْرَهُ التَّرْكُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّهْيِ فِيهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ وَالْأَمْرَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِي الْيَدِ، وَأَنَّهُ لَوْ دَرَى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ كَمَنْ لَفَّ عَلَيْهَا فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ، وَإِنْ كَانَ غَسْلُهُمَا مُسْتَحَبًّا كَمَا فِي الْمُسْتَيْقِظِ؛ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ تَعَبُّدٌ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّاكِّ وَالْمُتَيَقِّنِ، وَقَوْلُهُمْ أَظْهَرُ كَمَا سَلَفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute