٦٩١ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا؛ لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْت فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَطْعِ الشَّوْكِ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو ثَوْرٍ وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ وَمِنْهُمْ الْهَادَوِيَّةُ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُؤْذِي فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ (قُلْت): وَهَذَا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى أَنَّك عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ قَتْلِ الْفَوَاسِقِ هُوَ الْأَذِيَّةُ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَمْ يُنْبِتْهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَهُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَأِ فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الْحَشِيشُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ. وَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ يَعْرِفُ بِهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَهُوَ خَاصٌّ بِلُقَطَةِ مَكَّةَ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَهَا بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهَا سُنَّةً وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْوَلِيِّ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.
وَقَوْلُهُ: (نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا) أَيْ نَسُدُّ بِهِ خَلَلَ الْحِجَارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ عَلَى اللَّحْدِ وَفِي الْبُيُوتِ كَذَلِكَ يُجْعَلُ فِيمَا بَيْنَ الْخَشَبِ عَلَى السُّقُوفِ. وَكَلَامُ الْعَبَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَفَاعَةٌ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ لَمَّا عَلِمَ مِنْ أَنَّ الْعُمُومَ غَالَبَهُ التَّخْصِيصُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: هَذَا مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَقَدْ عَهِدَ مِنْ الشَّرْعِيَّةِ عَدَمَ الْحَرَجِ فَقَرَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامَهُ. وَاسْتِثْنَاؤُهُ إمَّا بِوَحْيٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ» وَلَا مُنَافَاةَ فَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بِحُرْمَتِهَا وَإِبْرَاهِيمُ أَظْهَرَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الْعِبَادِ (وَدَعَا لِأَهْلِهَا) حَيْثُ قَالَ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} وَغَيْرَهَا مِنْ الْآيَاتِ «وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ» هِيَ عِلْمٌ بِالْغَلَبَةِ لِمَدِينَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي هَاجَرَ إلَيْهَا فَلَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهَا إلَّا هِيَ «كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْت فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا» أَيْ فِيمَا يُكَالُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِكْيَالَانِ مَعْرُوفَانِ «بِمِثْلِ مَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ الْمُرَادُ مِنْ تَحْرِيمِ مَكَّةَ تَأْمِينُ أَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُقَاتَلُوا وَتَحْرِيمُ مَنْ يَدْخُلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وَتَحْرِيمُ صَيْدِهَا وَقَطْعِ شَجَرِهَا وَعَضْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute