٢٨٠ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
الشَّرَفِ، وَالْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَعْنَاهُ الْحَظُّ: أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ مِنْ عُقُوبَتِك حَظُّهُ، بَلْ يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ: أَيْ لَا يَنْفَعُهُ جِدُّهُ وَاجْتِهَادُهُ، وَقَدْ ضُعِّفَتْ رِوَايَةُ الْكَسْرِ.
وَعَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَفِي رِوَايَةٍ.
" أُمِرْنَا " أَيْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَالثَّلَاثُ الرِّوَايَاتُ لِلْبُخَارِيِّ، وَقَوْلُهُ: " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ " فَسَّرَتْهَا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ: قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ " وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ: هَذَا وَاحِدٌ ". قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ الْأَصْلُ فِي السُّجُودِ وَالْأَنْفَ تَبَعٌ لَهَا؛ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَهُمَا كَأَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا لَكَانَتْ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً وَالْمُرَادُ مِنْ الْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ، وَقَدْ وَقَعَ بِلَفْظِهِمَا فِي رِوَايَةٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ " أَنْ يَجْعَلَ قَدَمَيْهِ قَائِمَتَيْنِ عَلَى بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا، وَعَقِبَاهُ مُرْتَفِعَتَانِ، فَيَسْتَقْبِلُ بِظُهُورِ قَدَمَيْهِ الْقِبْلَةَ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ السُّجُودِ، وَقِيلَ: يُنْدَبُ ضَمُّ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهَا لَوْ انْفَرَجَتْ انْحَرَفَتْ رُءُوسُ بَعْضِهَا عَنْ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ " وَاسْتَقْبَلَ بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ وَالْأَمْرُ لَا يَرِدُ إلَّا بِنَحْوِ صِيغَةِ افْعَلْ، وَهِيَ تُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَالْهَادَوِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ فَقَطْ، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ: " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ " قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَقَدْ احْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِالْجَبْهَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَالْعِبَارَةُ لَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَبْهَةُ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: " وَمَكِّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute