١١٢٢ - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ، أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ عَلَى أَخْذِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ هَلْ الْقِتَالُ لِدَفْعِ الْمُنْكَرِ، فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، أَوْ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ؟ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ نَفْسُهُ، أَوْ حَرِيمُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ. وَفَرَّقَ الْأَوْزَاعِيُّ بَيْنَ الْحَالِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا جَمَاعَةٌ وَإِمَامٌ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا فِي حَالِ الْخِلَافِ وَالْفُرْقَةِ فَلْيَسْتَسْلِمْ، وَلَا يُقَاتِلْ أَحَدًا.
(قُلْت): وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إطْلَاقُ الْأَحْوَالِ.
(قُلْت): هَذَا فِي جَوَازِ قِتَالِ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَيْ لِمَنْ يُرَادُ أَخْذُ مَالِهِ ظُلْمًا الِاسْتِسْلَامُ وَتَرْكُ الْمَنْعِ بِالْقِتَالِ؟ الظَّاهِرُ جَوَازُهُ. وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ»، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِسْلَامِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ بِالْأَوْلَى فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا، وَلَا تُعْطِهِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ.
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ» بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَاضِيهِ عَضِضَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْأُولَى يَعْضَضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute