١٣٩٨ - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
خُصُومَاتِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرَجَعَ إلَيْهِ الْحَسَنُ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَرَوَيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَإِلَيْهِ مَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَاجِهُهُمْ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ يَقُولُ: فُلَانٌ مُنَافِقٌ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إشَارَةً، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْتَادَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَنْ تُفْضِيَ بِهِ إلَى حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَأَيَّدَ هَذَا الْقَوْلَ بِقِصَّةِ ثَعْلَبَةَ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}، فَإِنَّهُ آلَ بِهِ خُلْفُ الْوَعْدِ، وَالْكَذِبِ إلَى الْكُفْرِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَؤُولُ بِصَاحِبِهَا إلَى النِّفَاقِ الْحَقِيقِيِّ الْكَامِلِ.
(وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سِبَابُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ سَبَّهُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) السَّبُّ لُغَةً الشَّتْمُ وَالتَّكَلُّمُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ بِمَا لَا يَعْنِي كَالسِّبَابِ، وَالْفُسُوقُ مَصْدَرُ فِسْقٍ، وَهُوَ لُغَةً الْخُرُوجُ وَشَرْعًا الْخُرُوجُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَفِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ " الْمُسْلِمِ " دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْكَافِرِ، فَإِنْ كَانَ مُعَاهَدًا فَهُوَ أَذِيَّةٌ لَهُ، وَقَدْ نَهَى عَنْ أَذِيَّتِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا جَازَ سَبُّهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ.
وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ سَبِّهِ بِمَا هُوَ مُرْتَكِبٌ لَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْحَدِيثِ الْكَامِلُ الْإِسْلَامِ، وَالْفَاسِقُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَبِحَدِيثِ «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ»، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءِ، فَإِنْ صَحَّ حَمَلَ عَلَى فَاجِرٍ مُعْلِنٍ بِفُجُورِهِ أَوْ يَأْتِي بِشَهَادَةِ أَوْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ لِئَلَّا يَقَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ رِجَالَهُ مَوْثُوقُونَ وَأَخْرَجَهُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ «مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: خَطَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَتَّى مَتَى تَرْعَوُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اهْتِكُوهُ حَتَّى يَحْذَرَهُ النَّاسُ».
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرُونَ» وَهُمْ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ فَهَتَكُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَيُبِيحُونَ بِهَا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ، وَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَاسِقِ: يَا فَاسِقُ، وَيَا مُفْسِدُ، وَكَذَا فِي غِيبَتِهِ بِشَرْطِ قَصْدِ النَّصِيحَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لِبَيَانِ حَالِهِ أَوْ لِلزَّجْرِ عَنْ صَنِيعِهِ لَا لِقَصْدِ الْوَقِيعَةِ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute