٦٣ - وَعَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَهُ: فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَيَأْتِي بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّ كُلًّا ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ بِعَلَامَةٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ " هَذَا زِيَادَةٌ [ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ] وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ: وَفِي حَدِيثِ حَمَّادٍ حَرْفٌ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ قَوْلُهُ: [تَوَضَّئِي]؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ، وَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ مِنْ طُرُقٍ يَنْتَفِي مَعَهَا تَفَرُّدُ مَنْ قَالَهُ مُسْلِمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَاقَ حَدِيثَ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي بَابِ النَّوَاقِضِ، وَلَيْسَ الْمُنَاسِبُ لِلْبَابِ إلَّا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا أَصْلَ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ بَابِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَالْحَيْضِ وَسَيُعِيدُهُ هُنَالِكَ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ الْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَلِهَذَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إنَّمَا رَفَعَ الْوُضُوءُ حُكْمَهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ نُقِضَ وُضُوءُهَا؛ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَأَنَّ الْوُضُوءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ، وَأَنَّهَا تُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ الْحَاضِرَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ، وَتَجْمَعُ بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ أَوْ لِعُذْرٍ؛ وَقَالُوا: الْحَدِيثُ فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَهُوَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تُوجِبُ التَّقْدِيرَ وَقَدْ تَكَلَّفَ فِي الشَّرْحِ إلَى ذِكْرِ مَا لَعَلَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ قَرِينَةٌ لِلْحَذْفِ وَضَعَّفَهُ؛ وَذَهَبَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ إلَّا لِحَدَثٍ آخَرَ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ مَا فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ " فِي بَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَجُوزُ لَهَا وَتُفَارِقُ بِهَا الْحَائِضَ هُنَالِكَ، فَهُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَفِي الشَّرْحِ سَرَدَهُ هُنَا، وَأَمَّا هُنَا فَمَا ذَكَرَ حَدِيثَهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ نَقْضِ الِاسْتِحَاضَةِ لِلْوُضُوءِ.
وَعَنْ «عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً» بِزِنَةِ ضَرَّابٍ، صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، مِنْ الْمَذْيِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ لَزِجٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ، أَوْ تَذَكُّرِ الْجِمَاعِ، أَوْ إرَادَتِهِ يُقَالُ مَذَى زَيْدٌ يَمْذِي، مِثْلَ: مَضَى يَمْضِي، وَأَمْذَى يُمْذِي، مِثْلَ: أَعْطَى يُعْطِي [فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ " وَهُوَ ابْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ [أَنْ يَسْأَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute