للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٣١ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ إلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ؟ نَظَرَ آنِفًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

عَلَى مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْكِتَابِ عَلَى ثُبُوتِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ شَيْءٌ إلَّا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي.

وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِالنُّكُولِ مِنْ دُونِ تَحْلِيفٍ لِلْمُدَّعِي. وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ: لَا يُحْكَمُ بِهِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. اسْتَدَلَّ الْهَادَوِيَّةُ بِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَمَرُّدٍ عَنْ حَقٍّ مَعْلُومٍ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ هُوَ الْيَمِينُ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ أَوْ يُسْقِطَهُ بِالْإِقْرَارِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَأُجِيبُ بِعَدَمِ حُجَّةِ أَفْعَالِهِمْ، نَعَمْ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَانَ الْحُجَّةُ فِيهِ.

(وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا تَبْرُقُ ") بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ (" أَسَارِيرُ وَجْهِهِ ") هِيَ الْخُطُوطُ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ وَاحِدُهَا سُرَرٌ وَجَمْعُهَا أَسْرَارٌ وَأَسِرَّةٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَارِيرُ أَيْ تُضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ (" فَقَالَ أَلَمْ تَرَى إلَى مُجَزِّزٍ ") بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ ثُمَّ زَاي مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ زَايٍ أُخْرَى اسْمُ فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَسَرَ أَسِيرًا جَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَطْلَقَهُ (" الْمُدْلِجِيُّ ") بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَجِيمٍ بِزِنَةِ مُخْرِج نِسْبَةً إلَى بَنِي مُدْلِجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ (" نَظَرَ آنِفًا ") أَيْ الْآنَ «إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَمْ تَرَى أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ».

وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَقْدَحُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ لِكَوْنِهِ كَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ كَذَا قَالَهُ أَبُو دَاوُد وَأُمُّ أُسَامَةَ هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ كَانَتْ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ. وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَانَتْ حَبَشِيَّةً وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُقَالُ كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْحَبَشَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا زَمَنَ الْفِيلِ فَصَارَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَيْدٍ عُبَيْدًا الْحَبَشِيَّ فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ فَكُنِيَتْ بِهِ وَاشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا وَاسْمُهَا بَرَكَةُ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيَافَةِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ.

وَهِيَ: مَصْدَرُ قَافَ قِيَافَةً وَالْقَائِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>