٢٢٥ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ»، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَزَادَ أَحْمَدُ " وَاحِدَةً أَوْ دَعْ "
قَبْلَ الصَّلَاةِ يُذْهِبُ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ ". فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ إشَارَةٌ إلَى التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَ؛ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُوَسَّعًا، وَاخْتُلِفَ إذَا تَضَيَّقَ بِحَيْثُ لَوْ قَدَّمَ أَكْلَ الْعَشَاءِ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْأَكْلَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ مُحَافَظَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
قِيلَ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولَ بِوُجُوبِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بَلْ نَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ أَنَّ حُضُورَ الطَّعَامِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا وَعِنْدَ غَيْرِهِ؛ قِيلَ: وَفِي قَوْلِهِ " فَابْدَءُوا " مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حُضُورُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَلَا يَتَمَادَى فِيهِ؛ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ " ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا حَضَرَ عَشَاؤُهُ وَسَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقُمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَدْ قِيسَ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرُهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِتَأْخِيرِهِ تَشْوِيشُ الْخَاطِرِ، فَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِهِ.
[وَعَنْ " أَبِي ذَرٍّ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ أَيْ دَخَلَ فِيهَا فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى» أَيْ مِنْ جَبْهَتِهِ أَوْ مِنْ مَحَلِّ سُجُودِهِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ] رَوَاهُ الْخَمْسَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ: [وَاحِدَةً أَوْ دَعْ]. فِي هَذَا النَّقْلِ قَلَقٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ زَادَ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَعْنَاهُ: عَلَى هَذَا فَلَا يَمْسَحُ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ؛ وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَاةِ، فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» أَيْ امْسَحْ وَاحِدَةً أَوْ اُتْرُكْ الْمَسْحَ، فَاخْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ أَخَلَّ بِالْمَعْنَى، كَأَنَّهُ اتَّكَلَ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ عَلَى لَفْظِهِ لِمَنْ عَرَفَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: الْإِذْنُ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكَانَ وَاضِحًا.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مَسْحِ الْحَصَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهُ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَشْغَلَ بَالَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى أَوْ التُّرَابِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْغَالِبِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ. قِيلَ وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْخُشُوعِ، كَمَا يُفِيدُهُ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ لِلْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ، أَوْ لِئَلَّا يَكْثُرَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ ": أَيْ تَكُونُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَلَا يُغَيِّرُ مَا تَعَلَّقَ بِوَجْهِهِ مِنْ التُّرَابِ، وَالْحَصَى، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute