للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١١٥ - وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ كَمَا عَرَفْت فَمَا وَدَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تَبَرُّعًا مِنْهُ لِئَلَّا يُهْدِرَ دَمَهُ. .

وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَهَا عَلَى الْيَهُودِ وَأَعَانَهُمْ بِبَعْضِهَا، فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، فَإِنَّ الدِّيَةَ لَا تَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَتِيلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُدَّعِينَ أَنْ يَحْلِفُوا فَأَبَوْا فَكَيْفَ يُلْزِمُ الْيَهُودَ بِالدِّيَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى انْتَهَى.

قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُكْمٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ أَصْلًا كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى حِكَايَةٍ لِلْوَاقِعِ لَا غَيْرُ وَذَكَرَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ الْحُكْمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَمِنْ ثَمَّ كَتَبَ إلَى يَهُودَ بَعْدَ أَنْ دَارَ بَيْنَهُمْ الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ.

وَقَوْلُهُ (فَكَتَبُوا وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ إمْكَانِ الْمُشَافَهَةِ.

(فَائِدَةٌ) اخْتَارَ مَالِكٌ إجْرَاءَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ فَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَسْلُوبِينَ عَلَى السَّالِبِينَ، وَإِنْ كَانُوا مُدَّعِينَ قَالَ: لِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالِانْفِرَادِ عَنْ النَّاسِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ وَعَرَّفْنَاك هُنَا عَدَمَ نُهُوضِ ذَلِكَ وَسَنَزِيدُهُ بَيَانًا عَنْ قَرِيبٍ، وَإِذَا ثَبَتَ فَهَذَا قِيَاسٌ مِنْ مَالِكٍ مُصَادِمٌ لِنَصِّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ» إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ جَوَازَ تَخْصِيصِ عُمُومِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَلِلْعُلَمَاءِ كَلَامٌ فِي حُجِّيَّةِ الْعَامِّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ.

(وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ الْهَاشِمِيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِيهَا " أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِلْقَاتِلِ اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلَاثٍ إنْ شِئْت أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنَّك قَتَلْت صَاحِبَنَا خَطَأً، وَإِنْ شِئْت حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِك أَنَّك لَمْ تَقْتُلْهُ، وَإِنْ أَبَيْت قَتَلْنَاك بِهِ ". وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْقَتْلِ بِالْقَسَامَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ أَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ الْقَسَامَةَ إلَّا الْجَمَاهِيرُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عَنْهُمْ وَذَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو قِلَابَةَ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَالنَّاصِرُ إلَى عَدَمِ شَرْعِيَّتِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْأُصُولَ الْمُتَقَرِّرَةَ شَرْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>