١٧٨ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي، حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت، أَصْبَحْت». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي آخِرِهِ إدْرَاجٌ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَثْبَتَ الْأَذَانَيْنِ وَالْإِقَامَتَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي عَمِلْنَا بِخَبَرِ " ابْنِ مَسْعُودٍ "، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: يُقَدَّمُ خَبَرُ " جَابِرٍ "، أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ لِلْأَذَانِ عَلَى خَبَرِ " ابْنِ عُمَرَ "؛ لِأَنَّهُ نَافٍ لَهُ، وَلَكِنْ نَقُولُ: بَلْ نُقَدِّمُ خَبَرَ " ابْنِ مَسْعُودٍ "؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا.
وَعَنْ " ابْنِ عُمَرَ " " وَعَائِشَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» قَدْ بَيَّنَتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهَا: " وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا " وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ بِلَفْظِ: " إلَّا أَنْ يَصْعَدَ هَذَا وَيَنْزِلَ هَذَا «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَاسْمُهُ " عَمْرٌو " [وَكَانَ] أَيْ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ [رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت] أَيْ دَخَلْت فِي الصَّبَاحِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي آخِرِهِ إدْرَاجٌ أَيْ كَلَامٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ: " وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، إلَى آخِرِهِ "، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ هَكَذَا " وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى " بِزِيَادَةِ لَفْظِ قَالَ، وَبَيَّنَ الشَّارِحُ فَاعِلَ قَالَ أَنَّهُ " ابْنُ عُمَرَ "، وَقِيلَ: الزُّهْرِيُّ، فَهُوَ كَلَامُ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ شَرْعِيَّةُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا لِمَا شُرِعَ لَهُ الْأَذَانُ، فَإِنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ كَمَا سَلَفَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلِدُعَاءِ السَّامِعِينَ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْأَذَانُ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ قَدْ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهِ شَرْعِيَّتِهِ بِقَوْلِهِ: [لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ] رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَالْقَائِمُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَرُجُوعُهُ عَوْدُهُ إلَى نَوْمِهِ، أَوْ قُعُودُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَلَيْسَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ وَقْتٍ، وَلَا لِحُضُورِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالتَّسْبِيحَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ كَانَ بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ؛ وَهُوَ مِثْلُ النِّدَاءِ الَّذِي أَحْدَثَهُ " عُثْمَانُ " فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِصَلَاتِهَا، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالنِّدَاءِ لَهَا فِي مَحَلٍّ يُقَالُ لَهُ الزَّوْرَاءُ، لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ، وَكَانَ يُنَادَى لَهَا بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ جَعَلَهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ تَسْبِيحًا بِالْآيَةِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمَانِعِ وَالْمُجِيزِ، لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ مَنْ هَمُّهُ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ، وَفِي قَوْلِهِ: " كُلُوا وَاشْرَبُوا " أَيْ أَيُّهَا الْمُرِيدُونَ لِلصِّيَامِ " حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ إلَى أَذَانِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: " إنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ " أَيْ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " حَتَّى يُقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute