للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١١٩٧ - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إفْسَادِ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالتَّحْرِيقِ وَالْقَطْعِ

لِمَصْلَحَةٍ

وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ الْآيَةُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّك تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَمَا بَالُ قَطْعِ الْأَشْجَارِ وَتَحْرِيقِهَا قَالَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: اللِّينَةُ فَعْلَةٌ مِنْ اللَّوْنِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَلْوَانٍ وَقِيلَ: مِنْ اللِّينِ وَمَعْنَاهُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ وَجَمْعُهَا لِينٌ وَقَدْ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَّى جُيُوشَهُ أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَقَائِهَا لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَرَادَ بَقَاءَهَا لَهُمْ وَذَلِكَ يَدُورُ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْمَصْلَحَةِ.

(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ اللَّامِ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُلُولَ الْخِيَانَةُ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَالْعَارُ الْفَضِيحَةُ فَفِي الدُّنْيَا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ افْتَضَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَعَلَّ الْعَارَ مَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْغُلُولَ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ فَقَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك» - الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ الْبَعِيرَ وَغَيْرَهُ.

فَإِنَّهُ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي الْغَالُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الشَّنِيعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْعَارُ فِي الْآخِرَةِ لِلْغَالِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَا يُغْفَرُ بِالشَّفَاعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا " وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي مَحَلِّ التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ بَعْدَ تَشْهِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ.

وَالْحَدِيثُ الَّذِي سُقْنَاهُ وَرَدَ فِي خِطَابِ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغُلُولَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَالِّ وَغَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>