للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٥ - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، بِغَيْرِ إزَارٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَصَحَّحَ الْأَئِمَّةُ وَقْفَهُ.

١٩٦ - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ، فَصَلَّيْنَا. فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَنَزَلَتْ

وَلَهُمَا] أَيْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»

أَيْ إذَا كَانَ وَاسِعًا، كَمَا دَلَّ لَهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ

وَالْمُرَادُ أَلَا يَتَّزِرَ فِي وَسَطِهِ، وَيَشُدَّ طَرَفَيْ الثَّوْبِ فِي حَقْوَيْهِ، بَلْ يَتَوَشَّحُ بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَحْصُلُ السَّتْرُ لِأَعَالِي الْبَدَنِ، وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ كَمَا حَمَلُوا الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: " فَالْتَحِفْ بِهِ " عَلَى النَّدْبِ، وَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَتَرَكَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَيَأْثَمُ، فَجَعَلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّرَائِطِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ.

وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ لِلْجُمْهُورِ «بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، كَانَ أَحَدُ طَرَفِهِ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ» قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّرَفَ الَّذِي هُوَ لَابِسُهُ مِنْ الثَّوْبِ غَيْرُ مُتَّسِعٍ، بِأَنْ يَتَّزِرَ بِهِ وَيَفْضُلَ مِنْهُ مَا كَانَ لِعَاتِقِهِ.

قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَ " أَحْمَدَ " مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِالْتِحَافِ، لَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَوْ يَأْثَمُ مُطْلَقًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الثَّوْبِ، بَلْ صَلَاتُهُ فِيهِ؛ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَهُ عَلَى النَّائِمِ، أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ.

وَعَنْ " أُمِّ سَلَمَةَ " «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ بِغَيْرِ إزَارٍ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا» بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ: أَيْ وَاسِعًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَ الْأَئِمَّةُ وَقْفَهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَاهُ، وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا، إذْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا، وَلَفْظُهُ عَنْ " مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ قُنْفُذٍ " عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْ " أُمَّ سَلَمَةَ ": مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا.

[وَعَنْ " عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَنَزِيُّ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَالزَّايِ نِسْبَةً إلَى " عَنْزَ بْنِ وَائِلٍ "، وَيُقَالُ لَهُ الْعَدَوِيُّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ فَصَلَّيْنَا» ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي الْأَمَارَاتِ [فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَنَزَلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ،؛ لِأَنَّ فِيهِ " أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ " وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْمٍ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ النَّظَرِ فِي الْأَمَارَاتِ وَالتَّحَرِّي أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ انْكَشَفَ لَهُ الْخَطَأُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ " مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ " قَالَ: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ غَيْمٍ فِي السَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، قَالَ: قَدْ رُفِعَتْ صَلَاتُكُمْ بِحَقِّهَا إلَى اللَّهِ» وَفِيهِ أَبُو عَيْلَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَالْقَوْلُ بِالْإِجْزَاءِ مَذْهَبُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْكُوفِيِّينَ فِيمَا عَدَا مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ تَحَرٍّ وَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ، فَإِنَّهُ حَكَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَمَّ الْإِجْمَاعُ خَصَّ بِهِ عُمُومَ الْحَدِيثِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى بِتَحَرٍّ وَانْكَشَفَ لَهُ الْخَطَأُ، وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ؛ فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْآخَرِ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ لِلْحَدِيثِ، وَاشْتَرَطُوا التَّحَرِّيَ إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَيَقُّنُ الِاسْتِقْبَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْيَقِينُ فَعَلَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ التَّحَرِّي، فَإِنْ قَصَّرَ فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، إلَّا إذَا تَيَقَّنَ الْإِصَابَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ وَاجِبٌ قَطْعًا، وَحَدِيثُ السَّرِيَّةِ فِيهِ ضَعْفٌ.

قُلْت: الْأَظْهَرُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ السَّرِيَّةِ، لِتَقَوِّيهِ بِحَدِيثِ " مُعَاذٍ "، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ وَحْدَهُ، وَالْإِجْمَاعِ، قَدْ عُرِفَ كَثْرَةُ دَعْوَاهُمْ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>