للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٨ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، وَافْتِرَاشُ الذِّرَاعَيْنِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بَسْطُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْحَيَوَانَاتِ وَنَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، وَافْتِرَاشٍ كَافْتِرَاشِ السُّبُعِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَرَفْعِ الْأَيْدِي وَقْتَ السَّلَامِ كَأَذْنَابِ خَيْلٍ شُمْسٍ.

وَفِي قَوْلِهَا «وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ» دَلَالَةٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ التَّسْلِيمِ وَأَمَّا إيجَابُهُ فَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا.

[وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ] بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مُقَابِلَ [مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ] تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ [وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ] رَفَعَهُمَا [وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ] أَيْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ [مِنْ الرُّكُوعِ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي شَرْعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَوَاضِعِ؛ أَمَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَتَقَدَّمَ فِيهِ الْكَلَامُ.

وَأَمَّا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ؛ قُلْت: وَالْخِلَافُ فِيهِ لِلْهَادَوِيَّةِ مُطْلَقًا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ؛ وَاسْتُدِلَّ لِلْهَادِي فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَالِي أَرَاكُمْ " الْحَدِيثُ؛ قُلْت: وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَامَ تُؤَمِّنُونَ بِأَيْدِيكُمْ، كَأَذْنَابِ خَيْلِ شَمْسٍ، اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» انْتَهَى بِلَفْظِهِ؛ وَهُوَ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي إيمَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ عِنْدَ السَّلَامِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَبَبُهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» فَهُوَ عَائِدٌ إلَى مَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى كُلِّ حَرَكَةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرَكَاتٍ، وَسُكُونٍ وَذِكْرِ اللَّهِ.

قَالَ الْمَقْبَلِيُّ فِي الْمَنَارِ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ: إنْ كَانَ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الْإِمَامِ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ أَبْعَدَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَهُوَ أَوْرَعُ وَأَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ وَالْإِكْثَارُ فِي هَذَا لَجَاجٌ مُجَرَّدٌ، وَأَمْرُ الرَّفْعِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ تُورَدَ لَهُ الْأَحَادِيثُ الْمُفْرَدَاتُ، وَقَدْ كَثُرَتْ كَثْرَةً لَا تَوَازَى، وَصَحَّتْ صِحَّةً لَا تُمْنَعُ، وَلِذَا لَمْ يَقَعْ الْخِلَافُ الْمُحَقَّقُ فِيهِ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>