بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَات
١٣٢٢ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عَنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ سَرَدَ الشَّارِحُ أَسْمَاءَهُمْ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَالْهَادَوِيَّةِ وَمَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعُمْدَتُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ، وَالْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلُهَا تَأْكِيدُ الدَّعْوَى لَكِنْ يَعْظُمُ شَأْنُهَا فَإِنَّهَا إشْهَادٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَقُولُ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ الدَّعْوَى لَكَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ صِدْقَهُ فَلَمَّا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ هَابَهَا الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ وَعَظَمَةِ شَأْنِ اللَّهِ عِنْدَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ كَاذِبًا وَهَابَهَا الْفَاجِرُ لِمَا يَرَاهُ مِنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ لِمَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً فَلَمَّا كَانَ لِلْيَمِينِ هَذَا الشَّأْنُ صَلُحَتْ لِلْهُجُومِ عَلَى الْحُكْمِ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَيْمَانُ فَقَطْ فِي اللِّعَانِ وَفِي الْقَسَامَةِ فِي مَقَامِ الشُّهُودِ. وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} قَالُوا وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَيُفِيدُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَزِيَادَةُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ تَكُونُ نَسْخًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يَصِحُّ نَسْخُهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَأُجِيب بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَحِيحٌ يُعْمَلُ بِهِمَا فِي مَنْطُوقِهِمَا فَإِنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهِمَا لَا يُقَاوِمُ مَنْطُوقَ الْآخَرِ. هَذَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ سَلَمَةُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ عَمْرٌو (فِي الْحُقُوقِ) يُرِيدُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ الرَّاوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَصَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينَ بِالْحُقُوقِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّ الرَّاوِيَ وَقَفَهُ عَلَيْهَا وَالْخَاصُّ لَا يَتَعَدَّى بِهِ مَحَلُّهُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَاقْتِضَاءُ الْعُمُومِ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ ا. هـ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إلَّا الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ لِلْإِجْمَاعِ أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ بِذَلِكَ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute