٩٥٥ - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا - يَعْنِي عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا».
فِي كُلِّ مُنْتَصِبٍ كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ وَشِبْهِهِمَا وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ فِي بِسَاطٍ أَوْ مَعَاشٍ أَوْ دِينٍ، وَيُقَالُ فُلَانٌ فِي دِينِهِ عِوَجٌ بِالْكَسْرِ
(وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا يَعْنِي عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ (وَتَسْتَحِدَّ) بِسِينٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ (الْمُغَيَّبَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَمُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ التَّأَنِّي لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَشْعُرُوا بِقُدُومِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ بِزَمَانٍ يَتَّسِعُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَحْسِينِ هَيْئَاتِ مَنْ غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الِامْتِشَاطِ، وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِالْمُوسَى مَثَلًا مِنْ الْمَحَلَّاتِ الَّتِي يَحْسُنُ إزَالَتُهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُمْ فِي هَيْئَةٍ غَيْرِ مُنَاسِبَةٍ فَيَنْفِرَ الزَّوْجُ عَنْهُنَّ، وَالْمُرَادُ إذَا سَافَرَ سَفَرًا يُطِيلُ فِيهِ الْغَيْبَةَ كَمَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) أَيْ عَنْ جَابِرٍ «إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطُّرُوقُ الْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ مِنْ سَفَرٍ، وَغَيْرِهِ عَلَى غَفْلَةٍ، وَيُقَالُ لِكُلِّ آتٍ بِاللَّيْلِ طَارِقٌ، وَلَا يُقَالُ فِي النَّهَارِ إلَّا مَجَازًا، وَقَوْلُهُ (لَيْلًا) ظَاهِرُهُ تَقْيِيدُ النَّهْيِ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي دُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَعَلَّلَ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ (بَابُ لَا يَطْرُقُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا إذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ) فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَكُونُ اللَّيْلُ جُزْءَ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الرِّيبَةَ تَغْلِبُ فِي اللَّيْلِ، وَتَنَدُّرُ فِي النَّهَارِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا صَرَّحَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (لِكَيْ تَمْتَشِطَ إلَى آخِرِهِ) فَهُوَ حَاصِلٌ فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ قِيلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالتَّزْيِينِ هُوَ تَحْصِيلٌ لِكَمَالِ الْغَرَضِ مِنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ فِي اللَّيْلِ فَالْقَادِمُ فِي النَّهَارِ يَتَأَنَّى لِيَحْصُلَ لِزَوْجَتِهِ التَّنْظِيفُ وَالتَّزْيِينُ لِوَقْتِ الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ اللَّيْلُ بِخِلَافِ الْقَادِمِ فِي اللَّيْلِ، وَكَذَلِكَ مَا يُخْشَى مِنْهُ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى وُجُودِ أَجْنَبِيٍّ هُوَ فِي الْأَغْلَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute