للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

(كِتَابُ الْقَضَاءِ) الْقَضَاءُ بِالْمَدِّ الْوِلَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ إحْكَامِ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغِ مِنْهُ. وَمِنْهُ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} وَبِمَعْنَى إمْضَاءِ الْأَمْرِ، وَمِنْهُ {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} وَبِمَعْنَى الْحَتْمِ وَالْإِلْزَامِ وَمِنْهُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} وَفِي الشَّرْعِ إلْزَامُ ذِي الْوِلَايَةِ بَعْدَ التَّرَافُعِ، وَقِيلَ هُوَ الْإِكْرَاهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَقَائِعِ الْخَاصَّةِ لِمُعَيِّنٍ أَوْ جِهَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْجِهَةِ، كَالْحُكْمِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ.

(عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ» وَكَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ هُمْ فَقَالَ «رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) وَقَالَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ تَفَرَّدَ بِهِ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَرُوَاتُهُ مَرَاوِزَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَهُ طُرُقٌ غَيْرُ هَذِهِ جَمَعْتهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْ النَّارِ مِنْ الْقُضَاةِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ. وَالْعُمْدَةُ الْعَمَلُ فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَهُوَ وَمَنْ حَكَمَ بِجَهْلٍ سَوَاءٌ فِي النَّارِ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِجَهْلٍ وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الْحَقَّ فَإِنَّهُ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ وَقَالَ: فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ وَافَقَ الْحَقَّ، وَهُوَ جَاهِلٌ فِي قَضَائِهِ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى جَهْلٍ. وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ الْحُكْمِ بِجَهْلٍ أَوْ بِخِلَافِ الْحَقِّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ. وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاجِيَ مَنْ قَضَى بِالْحَقِّ عَالِمًا بِهِ؛ وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ فِي النَّارِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ تَوْلِيَةِ الْجَاهِلِ الْقَضَاءَ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ شَرْحِ السُّنَّةِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَتُهُ قَالَ وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ جَمَعَ خَمْسَةَ عُلُومٍ عِلْمَ كِتَابِ اللَّهِ، وَعِلْمَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقَاوِيلَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مِنْ إجْمَاعِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، وَعِلْمَ اللُّغَةِ، وَعِلْمَ الْقِيَاسِ، وَهُوَ طَرِيقُ اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا لَمْ يَجِدْهُ صَرِيحًا فِي نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُفَسَّرَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ وَالْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ، وَيَعْرِفُ مِنْ السُّنَّةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَيَعْرِفُ مِنْهَا الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ وَالْمُسْنَدَ وَالْمُرْسَلَ، وَيَعْرِفُ تَرْتِيبَ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ وَبِالْعَكْسِ حَتَّى إذَا وَجَدَ حَدِيثًا لَا يُوَافِقُ ظَاهِرُهُ الْكِتَابَ اهْتَدَى إلَى وَجْهِ مَحْمَلِهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ بَيَانٌ لِلْكِتَابِ فَلَا تُخَالِفُهُ، إنَّمَا تَجِبُ مَعْرِفَةُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ مَا أَتَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُمُورِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَيَعْرِفُ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَمُعْظَمَ فَتَاوَى فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ حَتَّى لَا يَقَعُ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِأَقْوَالِهِمْ فَيَأْمَنُ فِيهِ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ، فَإِذَا عَرَفَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَهُوَ مُجْتَهِدٌ وَإِذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>