١١٧١ - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ فَإِنْ فَضَلَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
هَذِهِ الرِّوَايَةُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخَرَ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذِهِ فِي الْمَعْنَى. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِبَاذِ وَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ شُرْبِ النَّبِيذِ إذَا اشْتَدَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " سَقَاهُ الْخَادِمُ أَوْ أَمَرَ بِصَبِّهِ " فَإِنَّ سَقِيَّةَ الْخَادِمِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ شُرْبِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَزُّهًا عَنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ وَإِنَّمَا بَدَا فِيهِ بَعْضُ تَغَيُّرٍ فِي طَعْمِهِ مِنْ حُمُوضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَسَقَاهُ الْخَادِمُ مُبَادَرَةً لِخَشْيَةِ الْفَسَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ كَأَنَّهُ قَالَ: سَقَاهُ الْخَادِمُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ أَيْ إنْ كَانَ بَدَا فِي طَعْمِهِ بَعْضُ تَغَيُّرٍ وَلَمْ يَشْتَدَّ سَقَاهُ الْخَادِمُ وَإِنْ اشْتَدَّ أَمَرَ بِإِهْرَاقِهِ وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ:.
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ». أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَأْتِي مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحَرَّمُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِفَاءٌ فَتَحْرِيمُ شُرْبِهَا بَاقٍ لَا يَرْفَعُهُ تَجَوُّزُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ النَّفْسِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: إلَّا إذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَوِّغُهَا بِهِ إلَّا الْخَمْرَ جَازَ. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَفِيهِ خِلَافٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا كَمَا يَجُوزُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِلتَّدَاوِي قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِعُمُومِهِ لِكُلِّ مُحَرَّمٍ.
(فَائِدَةٌ) فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ قَالَ الشَّيْخُ: كُلُّ مَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الْخَمْرِ وَشُرْبِهَا كَانَ عِنْدَ شَهَادَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ قَبْلُ، وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَلَبَهَا الْمَنَافِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute