٩٠ - وَعَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَك». أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ.
وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " وَلَيْسَ لَهُ هُنَا عَنْ عَائِشَةَ " رِوَايَةٌ، ثُمَّ هُوَ مُضَعَّفٌ بِمَنْ سَمِعْت، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ "، وَأَنْ يُشِيرَ إلَى مَا فِيهِ عَلَى عَادَاتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إلَى مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي؛ إنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ؛ وَفِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ؛ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَالنَّوَوِيُّ.
وَعَنْهَا أَيْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَك» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ أَطْلُبُ غُفْرَانَك أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَلَفْظَةُ خَرَجَ تُشْعِرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَكَانِ كَمَا سَلَفَ فِي لَفْظِ دَخَلَ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ.
مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ: قِيلَ: وَاسْتِغْفَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَرْكِهِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ،؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ، فَجَعَلَ تَرْكَهُ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ تَقْصِيرًا، وَعَدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَنْبًا، فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّوْبَةُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ، ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَ الْأَذَى مِنْهُ، فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ حَقِّ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَفَزِعَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ
، وَهَذَا أَنْسَبُ لِيُوَافِقَ حَدِيثَ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَب عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَوَرَدَ فِي وَصْفِ «نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ جُمْلَةِ شُكْرِهِ بَعْدَ الْغَائِطِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَلَوْ شَاءَ حَبَسَهُ فِي»؛ وَقَدْ وَصَفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اسْتِغْفَارَهُ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا وَلِمَا لَا نَعْلَمُهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَرَكَ الذِّكْرَ بِلِسَانِهِ حَالَ التَّبَرُّزِ لَمْ يَتْرُكْهُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ إلَيَّ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ» وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى فِي قُوَّتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute