٢٧١ - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «كَانَ فُلَانٌ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ. فَقَالَ
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نَحْزِرُ. بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الزَّايِ: نَخْرُصُ وَنُقَدِّرُ، وَفِي قَوْلِهِ " كُنَّا نَحْزِرُ " مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقَدِّرِينَ لِذَلِكَ جَمَاعَةٌ
؛ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ رِوَايَةً أَنَّ الْحَازِرِينَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ. «قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ {الم - تَنْزِيلُ} - السَّجْدَةُ» أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ [وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ]. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مَعَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَيَزِيدُهُ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ «وَفِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ سُورَةً غَيْرَ الْفَاتِحَةِ [وَالْأُخْرَيَيْنِ] أَيْ مِنْ الْعَصْرِ [عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الْأُولَيَيْنِ مِنْهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا قَدْ اخْتَلَفَتْ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا «كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأْتِي إلَى أَهْلِهِ، فَيَتَوَضَّأُ وَيُدْرِكُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطِيلُهَا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "؛ وَأَخْرُج أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " أَيْضًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةٍ؛ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ» هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ إلَّا الْفَاتِحَةَ، وَأَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ غَيْرَهَا مَعَهَا؛ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانَا».
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أُمِّ الْكِتَابِ فِيهِمَا، وَلَعَلَّهُ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ لِأَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَمِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَجْزُومٌ بِهِ، وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ " انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ حَزْرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَظَنُّنٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْنَعُ هَذَا تَارَةً، فَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مَعَهَا، وَيَقْتَصِرُ فِيهِمَا أَحْيَانًا، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِيهِمَا سُنَّةً تُفْعَلُ أَحْيَانًا، وَتُتْرَكُ أَحْيَانًا.
التَّعْرِيفُ بِسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ هُوَ: أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ " بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكِبَارِ التَّابِعِينَ؛ كَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا ثِقَةً عَابِدًا وَرِعًا حُجَّةً، وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ.
[قَالَ: كَانَ فُلَانٌ]. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغَوِيِّ أَنَّ فُلَانًا يُرِيدُ بِهِ أَمِيرًا كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ. قِيلَ: اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ "، وَلَيْسَ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا قِيلَ، لِأَنَّ وِلَادَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ " صَلَّى خَلْفَ فُلَانٍ هَذَا.
«يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ».
اخْتَلَفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ فَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ الصَّافَّاتِ، أَوْ الْجَاثِيَةِ أَوْ الْقِتَالِ، أَوْ الْحُجُرَاتِ، أَوْ الصَّفِّ، أَوْ تَبَارَكَ، أَوْ سَبِّحْ، أَوْ الضُّحَى، وَاتَّفَقَ أَنَّ مُنْتَهَاهُ آخِرُ الْقُرْآنِ. [وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ": مَا صَلَّيْت وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا]. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَيَكُونُ الصُّبْحُ أَطْوَلَ، وَفِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ بِأَوْسَطِهِ، وَفِي الْمَغْرِب بِقِصَارِهِ.
قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي تَطْوِيلِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ أَنَّهُمَا وَقْتَا غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَالْقَائِلَةِ، فَطُولُهُمَا لِيُدْرِكَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ لِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا، وَفِي الْعَصْرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ فِي وَقْتِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ لِذَلِكَ، وَفِي الْمَغْرِبِ لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ فَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ تَخْفِيفِهَا، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى عِشَاءِ صَائِمِهِمْ وَضَيْفِهِمْ، وَفِي الْعِشَاءِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ، وَلَكِنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ فَأَشْبَهَتْ الْعَصْرَ، هَكَذَا قَالُوهُ، وَسَتَعْرِفُ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا، بِمَا لَا يَتِمُّ بِهِ هَذَا التَّفْصِيلُ.