٤١٩ - وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَزْمَاءِ»، وَفِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - «وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي» وَكَانَ يَذْكُرُ فِي تَشَهُّدِهِ نَفْسَهُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» أَيْ: أَنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَعْدَ أَمَّا بَعْدُ (وَلِلنَّسَائِيِّ) أَيْ عَنْ جَابِرٍ «وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ «كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» كَمَا هُوَ فِي النَّسَائِيّ وَاخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُرَادُ صَاحِبُهَا.
وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ كَمَا أَمَرَ الدَّاخِلَ، وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَذْكُرُ مَعَالِمَ الشَّرَائِعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَالْمَعَادَ وَيَأْمُرُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيُحَذِّرُ مِنْ غَضَبِهِ وَيُرَغِّبُ فِي مُوجِبَاتِ رِضَاهُ وَقَدْ وَرَدَ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُحَذِّرُ»؛ وَظَاهِرُهُ مُحَافَظَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي آيَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: لَا يَجِبُ فِي الْخُطْبَةِ إلَّا الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ إلَّا مَا سُمِّيَ خُطْبَةً.
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ» بِفَتْحِ الْمِيمِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ عَلَامَةٌ (مِنْ فِقْهِهِ) أَيْ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ فِقْهُ الرَّجُلِ، وَكُلُّ شَيْءٍ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَئِنَّةٌ لَهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَإِنَّمَا كَانَ قِصَرُ الْخُطْبَةِ عَلَامَةً عَلَى فِقْهِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقَائِقِ الْمَعَانِي وَجَوَامِعِ الْأَلْفَاظِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعِبَارَةِ الْجَزْلَةِ الْمُفِيدَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْحَدِيثِ «فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» فَشَبَّهَ الْكَلَامَ الْعَامِلَ فِي الْقُلُوبِ الْجَاذِبَ لِلْعُقُولِ بِالسِّحْرِ؛ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَالَةِ وَتَنَاسُقِ الدَّلَالَةِ، وَإِفَادَةِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ، وَوُقُوعِهِ فِي مَجَازِهِ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ فَقِهَ فِي الْمَعَانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute