٦٢ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا إنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ: فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُك فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» - وَلِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ " وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا
كَلَامَهُمْ بِحَقِيقَتِهِ، وَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ أَحَدِ الْأَقْوَالِ أَمْ لَا؟.
فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي النَّوْمِ اخْتَلَفَتْ أَنْظَارُهُمْ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ لَا تَخْلُو عَنْ قَدْحٍ، أَعْرَضْنَا عَنْهَا، وَالْأَقْرَبُ الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّوْمَ نَاقِضٌ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ "، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْخَطَّابِيُّ، وَلَكِنَّ لَفْظَ النَّوْمِ فِي حَدِيثِهِ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ، فَلَا يُقَالُ قَدْ قَرَنَ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَهُمَا نَاقِضَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَمَّا كَانَ مُطْلَقُ وُرُودِ حَدِيثِ أَنَسٍ " بِنَوْمِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَوَضَّئُونَ وَلَوْ غَطُّوا غَطِيطًا، وَبِأَنَّهُمْ يَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ، وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوقِظُونَ، وَالْأَصْلُ جَلَالَةُ قَدْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَجْهَلُونَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، سِيَّمَا وَقَدْ حَكَاهُ أَنَسٌ " عَنْ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهِمْ الْعُلَمَاءَ الْعَارِفِينَ بِأُمُورِ الدِّينِ، خُصُوصًا الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَسِيَّمَا الَّذِينَ كَانُوا مِنْهُمْ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُمْ أَعْيَانُ الصَّحَابَةِ، وَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَيُقَيَّدُ مُطْلَقُ حَدِيثِ صَفْوَانَ " بِالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِقِ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ إدْرَاكٌ، وَيُؤَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَسٌ " مِنْ الْغَطِيطِ وَوَضْعِ الْجُنُوبِ وَالْإِيقَاظِ بِعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَقَدْ يَغُطُّ مَنْ هُوَ فِي مَبَادِئِ نَوْمِهِ قَبْلَ اسْتِغْرَاقِهِ، وَوَضْعُ الْجَنْبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْرَاقَ، فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضَعُ جَنْبَهُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا يَنَامُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُومُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ وَضْعِ جَنْبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُهُ وُضُوءَهُ، فَعَدَمُ مُلَازَمَةِ النَّوْمِ لِوَضْعِ الْجَنْبِ مَعْلُومَةٌ، وَالْإِيقَاظُ قَدْ يَكُونُ لِمَنْ هُوَ فِي مَبَادِئِ النَّوْمِ، فَيُنَبَّهُ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَهُ النَّوْمُ.
هَذَا وَقَدْ أَلْحَقَ بِالنَّوْمِ الْإِغْمَاءَ، وَالْجُنُونَ، وَالسُّكْرَ بِأَيِّ مُسْكِرٍ، بِجَامِعِ زَوَالِ الْعَقْلِ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ نَاقِضَةٌ، فَإِنْ صَحَّ كَانَ الدَّلِيلُ الْإِجْمَاعَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: [جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ " حُبَيْشٍ بِضَمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute