٨٢٢ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
يَلْزَمُ وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ الْعَقْدِ وَهِيَ هُنَالِكَ مَبْسُوطَةٌ بِعِلَلٍ وَمُنَاسِبَاتٍ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ تَفَاصِيلُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَوْلُهُ «إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا» وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ أَنْ لَا يَطَأَ الْأَمَةَ أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ وَطْءَ الْأَمَةِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَطْأَهَا.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَمْنَعُ) يُرْوَى بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ (جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً) بِالْإِفْرَادِ وَفِي لَفْظٍ خَشَبَهُ بِالْجَمْعِ (فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهُمَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ) بِالتَّاءِ جَمْعُ كَتِفٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد فَنَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ وَلِأَحْمَدَ حِينَ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ فَطَأْطَئُوا رُءُوسَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُخَاطَبُونَ وَهَذَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيَّامَ إمَارَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ فِيهَا فَالْمُخَاطَبُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنَّهُمْ جَاهِلُونَ بِذَلِكَ وَلَيْسُوا بِصَحَابَةٍ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي حَائِطِ جَارِهِ» وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ وَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ وَأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ أُجْبِرَ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِجَارِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثِ، وَذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي أَيَّامِ وُفُورِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ عُمَرَ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: وَهُوَ فِيمَا.
رَوَاهُ مَالِكٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنْ يَسُوقَ خَلِيجًا لَهُ فَيُجْرِيهِ فِي أَرْضٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَامْتَنَعَ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ فِي ذَلِكَ فَأَبَى فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَتَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ: وَهَذَا نَظِيرُ قِصَّةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّمَهُ عُمَرُ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ الْجَارُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دَارِ جَارِهِ وَأَرْضِهِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً إلَّا بِإِذْنِ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ. قَالُوا لِأَنَّ أَدِلَّةَ أَنَّهُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ» تَمْنَعُ هَذَا الْحُكْمَ فَهُوَ لِلتَّنْزِيهِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إلَّا عُمُومَاتٍ لَا يُنْكِرُ أَنْ يَخُصَّهَا، وَقَدْ حَمَلَهَا الرَّاوِي عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ " فَإِنَّهُ اسْتِنْكَارٌ لِإِعْرَاضِهِمْ دَالٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute