. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَأَبُو دَاوُد هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَاعْتَذَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ بِقَوْلِهِ (وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ وَهُوَ أَنَّ وَضْعَهُ مَشْرُوطٌ فِيهِ الْمُرَاضَاةُ لِقَوْلِهِ جَائِزٌ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لَازِمٍ يَقْضِي بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْخَصْمُ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ فَتُعْتَبَرُ أَحْكَامُ الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ.
وَإِنَّمَا خُصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي الْخِطَابِ الْمُنْقَادُونَ لِأَحْكَامِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ وَظَاهِرُهُ عُمُومُ صِحَّةِ الصُّلْحِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ اتِّضَاحِ الْحَقِّ لِلْخَصْمِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قِصَّةُ الزُّبَيْرِ وَالْأَنْصَارِيِّ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ قَدْ أَبَانَ لِلزُّبَيْرِ مَا اسْتَحَقَّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِصْلَاحِ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْأَنْصَارِيُّ الصُّلْحَ وَطَلَبَ الْحَقَّ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَالثَّابِتُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ بَلْ مِنْ الصُّلْحِ مَعَ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْحَقِّ الَّذِي لَهُ حَتَّى يَدَّعِهِ بِالصُّلْحِ بَلْ هَذَا أَوَّلُ التَّشْرِيعِ فِي قَدْرِ السُّقْيَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الصُّلْحُ إلَّا هَكَذَا.
وَأَمَّا بَعْدَ إبَانَةِ الْحَقِّ لِلْخَصْمِ فَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ أَوْ يَتْرُكُ لِخَصْمِهِ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ. وَإِلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالُوا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَطِيبَ مَالُ الْخَصْمِ مَعَ إنْكَارِ الْمَصَالِحِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَدَّعِي عَلَيْهِ آخَرُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَيُصَالِحُ بِبَعْضِ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ مَعَ إنْكَارِ خَصْمِهِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ لَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ» وقَوْله تَعَالَى {عَنْ تَرَاضٍ}.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ طِيبَةُ النَّفْسِ بِالرِّضَا بِالصُّلْحِ وَعَقْدُ الصُّلْحِ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَحِلُّ لَهُ مَا بَقِيَ (قُلْت) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ حَقًّا عِنْدَ خَصْمِهِ جَازَ لَهُ قَبْضُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ مُنْكِرًا، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي بَاطِلًا فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَأَخْذُ مَا صُولِحَ بِهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ حَقٌّ يَعْلَمْهُ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ لِغَرَضٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا صُولِحَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ حَقٌّ جَازَ لَهُ إعْطَاءُ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي دَفْعِ شِجَارِ غَرِيمٍ وَأَذِيَّتِهِ، وَحُرِّمَ عَلَى الْمُدَّعِي أَخْذُهُ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ فَلَا يُقَالُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ وَلَا أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يُفْصَلُ فِيهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا أَفَادَهَا قَوْلُهُ «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» - أَيْ ثَابِتُونَ عَلَيْهَا وَاقِفُونَ عِنْدَهَا، وَفِي تَعْدِيَتِهِ بِعَلَى وَوَصْفِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْإِيمَانِ دَلَالَةٌ عَلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُخِلُّونَ بِشُرُوطِهِمْ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى لُزُومِ الشَّرْطِ إذَا شَرَطَهُ الْمُسْلِمُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ. وَلِلْمُفَرِّعِينَ تَفَاصِيلُ فِي الشُّرُوطِ وَتَقَاسِيمُ مِنْهَا مَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ حُكْمُهُ وَمِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute