للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٢٠ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}» رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ الْمَاضِيَةِ، كَمَا عَرَفْت حَيْثُ قَالَ: بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَغَيْرِهِ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْوُجُوبِ وَفِي مَوَاضِعِ السُّجُودِ؛ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاجِبٌ غَيْرُ فَرْضٍ، ثُمَّ هُوَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ التَّالِي وَالْمُسْتَمِعِ إنْ سَجَدَ التَّالِي، وَقِيلَ: وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ.

فَأَمَّا مَوَاضِعُ السُّجُودِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَسْجُدُ فِيهَا عَدَا الْمُفَصَّلِ، فَيَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَحَلًّا، إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَعُدُّونَ فِي " الْحَجِّ " إلَّا سَجْدَةً، وَاعْتَبَرُوا بِسَجْدَةِ سُورَةِ " صَ " وَالْهَادَوِيَّةُ عَكَسُوا ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ؛ وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ يَسْجُدُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، عَدَا سَجْدَتَيْ " الْحَجِّ " وَسَجْدَةِ " صَ ".

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا؟ فَاشْتَرَطَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُشْتَرَطُ؛ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْزِلُ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَيُهْرِيقُ الْمَاءَ، ثُمَّ يَرْكَبُ، فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَمَا يَتَوَضَّأُ، وَوَافَقَهُ الشَّعْبِيُّ عَلَى ذَلِكَ؛ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَجَمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ.

قُلْت: وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَدِلَّةُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَرَدَتْ لِلصَّلَاةِ، وَالسَّجْدَةُ لَا تُسَمَّى صَلَاةً، فَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَوْقَاتُ الْكَرَاهَةِ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَلَا تَشْمَلُ السَّجْدَةَ الْفَرْدَةَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى السُّجُودِ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْمُفَصَّلِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ رَأَيْت لِابْنِ حَزْمٍ كَلَامًا فِي شَرْحِ الْمُحَلَّى لَفْظُهُ " السُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلَاةً " وَإِذَا كَانَ لَيْسَ صَلَاةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا وُضُوءٍ، وَلِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، كَسَائِرِ الذِّكْرِ، وَلَا فَرْقَ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلَّا لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ.

فَإِنْ قِيلَ: السُّجُودُ مِنْ الصَّلَاةِ وَبَعْضُ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ،، قُلْنَا: وَالتَّكْبِيرُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، وَالْجُلُوسُ، وَالْقِيَامُ، وَالسَّلَامُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، فَهَلْ يَلْتَزِمُونَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ إلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ؟ هَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ؛ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>