٢٧ - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ، وَهِيَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: إذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قَوِيَتْ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ فِي الْحُكْمِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ، كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الرَّاوِي، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالطَّعْمِ لَهُمَا، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمُصَنَّفِ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُرَشَّ بَوْلُ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ مِنْ الصِّبْيَانِ» وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الِاغْتِذَاءُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: لِلْهَادَوِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ قِيَاسًا لِبَوْلِهِمَا عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ، وَهُوَ تَقْدِيمٌ لِلْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ. الثَّانِي وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ لَا الْجَارِيَةِ فَكَغَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِمْ. يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا، وَهُوَ كَلَامُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَأَمَّا: هَلْ بَوْلُ الصَّبِيِّ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا خَفَّفَ الشَّارِعُ تَطْهِيرَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّضْحَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْلُ يُغْمَرُ وَيُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا تَبْلُغُ جَرَيَانَ الْمَاءِ وَتَرَدُّدَهُ، وَتَقَاطُرَهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاثَرَةِ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهَا بَعْضُ الْمَاءِ، وَيَتَقَاطَرُ مِنْ الْمَحَلِّ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَصْرُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقِينَ.
[وَعَنْ " أَسْمَاءَ " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَمِيمٍ فَهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ " بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ " وَهِيَ أُمُّ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ "، أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ قَدِيمًا، وَبَايَعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ عَائِشَةَ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَمَاتَتْ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ ابْنُهَا بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلَهَا مِنْ الْعُمْرِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَلَمْ تَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ، وَلَا تَغَيَّرَ لَهَا عَقْلٌ، وَكَانَتْ قَدْ عَمِيَتْ. «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ: تَحُتُّهُ» بِالْفَتْحِ لِلْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ: أَيْ تَحُكُّهُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ إزَالَةُ عَيْنِهِ [ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ] أَيْ الثَّوْبَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute