٤٩٢ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَسَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَقْتهَا بَيْنَ نِسَائِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ
الطَّبَرِيُّ: دَلَّتْ الرُّخْصَةُ فِي لُبْسِهِ لِلْحِكَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِلُبْسِهِ دَفْعَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَذَى الْحِكَّةِ كَدَفْعِ السِّلَاحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَالْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ لَا يَخُصُّونَهُ بِالسَّفَرِ، وَقَالَ الْبَعْضُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: يَخْتَصُّ بِهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْخُصُوصِيَّةَ بِالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا تَصِحُّ تِلْكَ الدَّعْوَى، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُرُودَةِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْحَرِيرَ حَادٌّ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ بِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ تَدْفَعُ مَا تَنْشَأُ عَنْ الْحِكَّةِ مِنْ الْقَمْلِ.
وَعَنْ «عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: كَسَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةً سِيَرَاءَ» بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ قَالَ الْخَلِيلُ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَعَ الْمَدِّ سِوَى سِيَرَاءَ - وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ - وَحِوَلَاءَ وَعِنَبَاءَ لُغَةٌ فِي الْعِنَبِ، وَضَبْطُ حُلَّةٍ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّ سِيَرَاءَ صِفَةٌ لَهَا وَبِغَيْرِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَهُوَ الْأَجْوَدُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ «فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْت الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ: هِيَ بُرُودٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْقَزِّ، وَقِيلَ: حَرِيرٌ خَالِصٌ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَقَوْلُهُ: " فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ " زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: «إنِّي لَمْ أَبْعَثْهَا إلَيْك لِتَلْبَسَهَا إنَّمَا بَعَثْتُهَا إلَيْك لِتَشْقُقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِك، وَلِذَا شَقَقْتُهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ»، وَقَوْلُهُ: فَشَقَقْتهَا أَيْ قَطَعْتهَا فَفَرَّقْتهَا خُمُرًا، وَهِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَضْمُومَةً وَضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.
وَالْمُرَادُ بِالْفَوَاطِمِ فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالثَّالِثَةُ قِيلَ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ حَمْزَةَ وَذُكِرَتْ لَهُنَّ رَابِعَةٌ، وَهِيَ فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَهَا لِعَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَنَى عَلَى ظَاهِرِ الْإِرْسَالِ وَانْتَفَعَ بِهَا فِي أَشْهُرِ مَا صُنِعَتْ لَهُ، وَهُوَ اللُّبْسُ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ لُبْسُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute