٢١١ - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ - فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: وَهُوَ يَؤُمَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ.
فَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ " صُهَيْبٍ " قَالَ: «مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْت فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً» قَالَ الرَّاوِي: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ " إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي وَصْفِهِ لِرَدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَنْصَارِ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَكَذَا، وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ - الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى فَوْقُ ".
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُجِيبُ الْمُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ إمَّا بِرَأْسِهِ، أَوْ بِيَدِهِ، أَوْ بِأُصْبُعِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ،؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَوْلِ وَاجِبٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فِي الصَّلَاةِ، فَبَقِيَ الرَّدُّ بِأَيِّ مُمْكِنٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْإِشَارَةِ، وَجَعَلَهُ الشَّارِعُ رَدًّا، وَسَمَّاهُ الصَّحَابَةُ رَدًّا، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ رُدُّوهَا}.
وَأَمَّا حَدِيثُ " أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ» ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ،؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ " أَبِي غَطَفَانَ " عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ "، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
وَعَنْ " أَبِي قَتَادَةَ " قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ [بِنْتَ زَيْنَبَ]. هِيَ أُمُّهَا، وَهِيَ " زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَأَبُوهَا " أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ " [فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ زِيَادَةُ: [وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ] فِي قَوْلِهِ: كَانَ يُصَلِّي، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِأُمَامَةَ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ حَيَوَانًا أَوْ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لَا يَضُرُّ صَلَاتَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إمَامًا "، فَإِذَا جَازَ فِي حَالِ الْإِمَامَةِ جَازَ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، وَإِذَا جَازَ فِي الْفَرِيضَةِ جَازَ فِي النَّافِلَةِ بِالْأُولَى.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ وَأَبْدَانِهِمْ، وَأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ تَظْهَرْ النَّجَاسَةُ، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي مِثْلَ هَذِهِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ، يَحْمِلُهَا وَيَضَعُهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ بِتَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ.
مِنْهَا: أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِنْهَا: أَنَّ " أُمَامَةَ " كَانَتْ تَعْلَقُ بِهِ دُونَ فِعْلٍ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَكُلُّهَا دَعَاوَى بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَاضِحٍ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ