. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَائِشَةُ. وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَارِكُهَا نَاسِيًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ. قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَفِيهِ " أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ - الْحَدِيثَ " فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ أَعَلَّهُ الْبَعْضُ بِالْإِرْسَالِ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَدَارَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ عَلَى الْمَظِنَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا وَإِنَّمَا شَكَّكَ عَلَى السَّائِلِ حَدَاثَةُ إسْلَامِ الْقَوْمِ فَأَلْغَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا لَبَيَّنَ لَهُ عَدَمَ لُزُومِهَا وَهَذَا وَقْتُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيرِ رُفِعَ الْإِثْمُ أَوْ نَحْوُهُ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ فَيَتَحَصَّلُ قُوَّةُ كَلَامِ الظَّاهِرِيَّةِ فَيَتْرُكُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا شَكَّ فِيهِ وَالذَّابِحُ مُسْلِمٌ فَكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا»
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي قَوْلِهِ: «فَإِنْ أَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ». فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَذْكِيَتُهُ إذَا وَجَدَهُ حَيًّا وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ بَقِيَّةُ حَيَاةٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ أَوْ مَرِيئَهُ أَوْ جَرَحَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَهُ فَيَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الْمَهْدِيُّ: لِلْهَادَوِيَّةِ إنَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهِ رَمَقٌ وَجَبَ تَذْكِيَتُهُ، وَالرَّمَقُ إمْكَانُ التَّذْكِيَةِ لَوْ حَضَرَتْ آلَةٌ.
وَدَلَّ قَوْلُهُ: «وَإِنْ أَدْرَكْته وَقَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْهُ فَكُلْهُ» أَنَّهُ إذَا أَكَلَ حَرُمَ أَكْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُعَلَّمِ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَأَكْلُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ التَّعْلِيمِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ " وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْإِمْسَاكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذَا أَرْسَلْت الْكَلْبَ فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْته وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ حِلُّهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ كُلْ: مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك قَالَ وَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ» وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «كُلْهُ وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ إلَّا نِصْفَهُ» قِيلَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ عَدِيٍّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي كَلْبٍ قَدْ اعْتَادَ الْأَكْلَ فَخَرَجَ عَنْ التَّعْلِيمِ وَقِيلَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ لِبَيَانِ أَصْلِ الْحِلِّ.
وَقَدْ كَانَ عَدِيٌّ مُوسِرًا فَاخْتَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ الْأَوْلَى وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ مُعْسِرًا فَأَفْتَاهُ بِأَصْلِ الْحِلِّ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: الْحَدِيثَانِ قَدْ تَعَارَضَا، وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا يَخْفَى ضَعْفُهَا فَيُرْجَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute