١٩٨ - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ الْبُخَارِيُّ: يُومِئُ بِرَأْسِهِ - وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ
وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَوَّاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ عَلَى قَاعِدَتِهِ، وَرَأَيْنَاهُ فِي التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ سِيَاقِهِ لَهُ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِينَ حَسَّنَ إحْدَاهُمَا وَصَحَّحَهَا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إذَا جَعَلْت الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِك وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِك فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ (اهـ).
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ لَا الْعَيْنِ، فِي حَقِّ مَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْعَيْنُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ قِبْلَةٌ لِغَيْرِ الْمُعَايِنِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَايِنَ لَا تَنْحَصِرُ قِبْلَتُهُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، بَلْ كُلِّ الْجِهَاتِ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ مَتَى قَابَلَ الْعَيْنَ أَوْ شَطْرَهَا، فَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ قِبْلَةٌ.
وَأَنَّ الْجِهَةَ كَافِيَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعَايِنَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} خِطَابٌ لَهُ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ فِيهَا مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ، إلَّا مَا قِيلَ فِي مِحْرَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِتَوْلِيَتِهِ وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَامٌّ لِصَلَاتِهِ فِي مِحْرَابِهِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} دَالٌّ عَلَى كِفَايَةِ الْجِهَةِ، أَوْ الْعَيْنِ فِي كُلُّ مَحَلٍّ تَتَعَذَّرُ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ، وَقَوْلُهُمْ: يُقَسِّمُ الْجِهَاتِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَى الْعَيْنِ، تَعَمُّقٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ دَلِيلٌ، وَلَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، وَهُمْ خَيْرُ قَبِيلٍ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْجِهَةَ كَافِيَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَمَا يَلِيهَا.
[وَعَنْ " عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ " عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ " بِلَفْظِ «كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ» وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ " بِلَفْظِ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ» وَقَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute