٥٣٧ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهَا: وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ كَأَنَّهَا فَهِمَتْهُ مِنْ قَرِينَةٍ وَإِلَّا فَأَصْلُهُ التَّحْرِيمُ وَإِلَى أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ: دَعْهَا يَا عُمَرُ» الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَرِجَالُهَا ثِقَاتٌ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ بِالْمُكَلَّفِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَشْيِيعَهَا وَظَاهِرُهُ عُمُومُ كُلِّ جِنَازَةٍ مِنْ مُؤْمِنٍ وَغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «قِيَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِنَازَةِ يَهُودِيٍّ مَرَّتْ بِهِ» وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ وَفِي رِوَايَةٍ " أَلَيْسَتْ نَفْسًا " وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ " إنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ «إنَّمَا نَقُومُ إعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ " إعْظَامًا لِلَّهِ " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْأَمْرَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لِلْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ» وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْهُ يَدْفَعُهُ أَنَّ عَلِيًّا أَشَارَ إلَى قَوْمٍ بِأَنْ يَقْعُدُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمْ الْحَدِيثَ.
وَلَمَّا تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاسِخٌ لِلْأَمْرِ بِالْقِيَامِ وَرُدَّ بِأَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ لَيْسَ نَصًّا فِي النَّسْخِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قُعُودَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ؛ فَقَالَ: اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا النَّسَائِيّ وَابْنَ مَاجَهْ وَالْبَزَّارَ وَالْبَيْهَقِيَّ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: تَفَرَّدَ بِهِ بِشْرٌ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ: «وَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» أَفَادَ النَّهْيَ لِمَنْ شَيَّعَهَا عَنْ الْجُلُوسِ حَتَّى تُوضَعَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى تُوضَعَ فِي الْأَرْضِ أَوْ تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ بِلَفْظَيْنِ إلَّا أَنَّهُ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ " تُوضَعَ فِي الْأَرْضِ " فَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ لِمَا يُفِيدُهُ النَّهْيُ هُنَا وَلِمَا عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute