٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ - وَلِلْبُخَارِيِّ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» - وَلِمُسْلِمٍ مِنْهُ، وَلِأَبِي دَاوُد: «وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ»
حَدَّثَ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ؛ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحُفَّاظِ الْآثَارِ، عَالِمًا بِالطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَفُنُونِ الْعِلْمِ، صَنَّفَ الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ، وَالتَّارِيخَ، وَكِتَابَ الضُّعَفَاءِ، وَفَقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْدَ، قَالَ الْحَاكِمُ: كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالْوَعْظِ، مِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ، تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِ مِائَةٍ، وَهُوَ فِي عُمْرِ الثَّمَانِينَ.
وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ دَلِيلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَعْلِهِمْ الْكَثِيرَ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَسَبَقَ اعْتِذَارُ الْهَادَوِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ لِلِاضْطِرَابِ فِي مَتْنِهِ إذْ فِي رِوَايَةٍ [إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ قِلَالٍ] وَفِي رِوَايَةٍ [قُلَّةً] وَبِجَهَالَةِ قَدْرِ الْقُلَّةِ وَبِاحْتِمَالِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ [لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَتَلَاشَى فِيهِ الْخَبَثُ، وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، وَقَدْ بَسَطَهُ فِي الشَّرْحِ إلَّا الْأَخِيرَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، كَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ [لَمْ يَنْجُسْ] صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ احْتِمَالِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ.
[وَعَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» هُوَ الرَّاكِدُ السَّاكِنُ، وَيَأْتِي وَصْفُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَجْرِي [وَهُوَ جُنُبٌ أَخْرَجَهُ] بِهَذَا اللَّفْظِ [مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ رِوَايَةٌ بِلَفْظِ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ» رُوِيَ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ، وَقَدْ جُوِّزَ جَزْمُهُ عَلَى عَطْفِهِ عَلَى مَوْضِعِ يَبُولَنَّ، وَنَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ عَلَى إلْحَاقِ ثُمَّ بِالْوَاوِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالِاغْتِسَالِ دُونَ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا، مَعَ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِجَوَازِ النَّصْبِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ، وَمِنْ غَيْرِهِ النَّهْيُ عَنْ إفْرَادِ الِاغْتِسَالِ؛ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ " ثُمَّ " صَارَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ تُفِيدُ الْجَمْعَ، وَهَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى ابْنِ مَالِكٍ، حَيْثُ جُوِّزَ النَّصْبُ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْعُمْدَةِ، إلَّا أَنَّهُ أَجَابَ عَلَى النَّوَوِيِّ بِمَا أَفَادَهُ قَوْلُنَا، فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute