١٤٦ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عَامَّةُ اللَّيْلِ] كَثِيرٌ مِنْهُ لَا أَكْثَرُهُ [ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى وَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا] أَيْ الْمُخْتَارُ وَالْأَفْضَلُ [لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي] أَيْ لَأَخَّرْتهَا إلَيْهِ؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ مُمْتَدٌّ، وَأَنَّ آخِرَهُ أَفْضَلُهُ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَاعِي الْأَخَفَّ عَلَى الْأَمَةِ، وَأَنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَقْتًا، وَهِيَ بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ، فَأَفْضَلُهُ أَوَّلُهُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ، إلَّا الظُّهْرَ أَيَّامَ الْحَرِّ، كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ.
وَعَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا» بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ مَقْطُوعَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ [بِالصَّلَاةِ] أَيْ صَلَاةِ الظُّهْرِ «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ: سَعَةِ انْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يُقَالُ: أَبْرَدَ، إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ كَأَظْهَرَ إذَا دَخَلَ فِي الظُّهْرِ، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، إذَا بَلَغَ نَجْدًا وَتِهَامَةَ، ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ وَهَذَا فِي الْمَكَانِ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَظَاهِرُهُ عَامٌّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْبَلَدِ الْحَارِّ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ. وَقِيلَ: الْإِبْرَادُ سُنَّةٌ وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهَا عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِأَحَادِيثِ الْإِبْرَادِ.
وَعُورِضَ حَدِيثُ الْإِبْرَادِ بِحَدِيثِ " خَبَّابٍ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا:
أَنَّ الَّذِي شَكَوْهُ شِدَّةُ الرَّمْضَاءِ فِي الْأَكُفِّ وَالْجِبَاهِ؛ وَهَذِهِ لَا تَذْهَبُ عَنْ الْأَرْضِ إلَّا آخِرَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ آخِرِهِ، وَلِذَا قَالَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ " خَبَّابٍ " هَذِهِ بِلَفْظِ: " فَلَمْ يُشْكِنَا وَقَالَ: صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْخِيرًا زَائِدًا عَنْ وَقْتِ الْإِبْرَادِ، فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ، وَتَعْلِيلُ الْإِبْرَادِ بِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ: يَعْنِي وَعِنْدَ شِدَّتِهِ يَذْهَبُ الْخُشُوعُ الَّذِي هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ، وَأَعْظَمُ الْمَطْلُوبِ مِنْهَا. قِيلَ: وَإِذَا كَانَ الْعِلَّةُ ذَلِكَ، فَلَا يُشْرَعُ الْإِبْرَادُ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: لَيْسَ فِي الْإِبْرَادِ تَحْدِيدٌ، إلَّا مَا وَرَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute