٣٧٠ - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَقَالَتْ بِهِ الظَّاهِرِيَّةُ وَقَالَ دَاوُد: إنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى مَا يَخْتَارُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ وَلِذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ.
وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ تَحْصِيلًا لِمَذْهَبِ الْهَادِي أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ مُتَقَدِّمِي الشَّافِعِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالنَّاصِرُ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ بِحَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الْبَالِغَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ «ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْت مَا بِي وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ شَجَرًا وَنَخْلًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلَّ سَاعَةٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْضُرْهَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ «أَتَسْمَعُ الْأَذَانَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا»، وَالْأَحَادِيثُ فِي مَعْنَاهُ كَثِيرَةٌ وَيَأْتِي حَدِيثُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ أَطْلَقَ الْبُخَارِيُّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا وَبَوَّبَهُ بِقَوْلِهِ بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَقَالُوا هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ إذْ لَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَ قَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَهَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ لَهَا.
وَأَمَّا التَّحْرِيقُ فِي الْعُقُوبَاتِ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ عَامًّا فَهَذَا خَاصٌّ وَأَدِلَّةُ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَدِلَّةُ مَنْ قَالَ إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الصَّارِفِ لِلْأَدِلَّةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ إلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَدْ أَطَالَ الْقَائِلُونَ بِالسُّنِّيَّةِ الْكَلَامَ فِي الْجَوَابَاتِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا لَا يَشْفِي، وَأَقْرَبُهَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ لَا الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالسُّنِّيَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْفَضِيلَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْفُرَادَى غَيْرَ مُجْزِئَةٍ لِمَا كَانَتْ لَهَا فَضِيلَةٌ أَصْلًا وَحَدِيثِ " إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا " فَأَثْبَتَ لَهُمَا الصَّلَاةَ فِي رِحَالِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ جَمَاعَةً وَسَيَأْتِي.
(وَعَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ) فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا عَلَيْهِمْ ثَقِيلَةٌ فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى وَلَكِنَّ الْأَثْقَلَ عَلَيْهِمْ (صَلَاةُ الْعِشَاءِ)؛ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِ الرَّاحَةِ وَالسُّكُونِ (وَصَلَاةُ الْفَجْرِ)؛ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِ النَّوْمِ وَلَيْسَ لَهُمْ دَاعٍ دِينِيٌّ وَلَا تَصْدِيقٌ بِأَجْرِهِمَا حَتَّى يَبْعَثَهُمْ عَلَى إتْيَانِهِمَا وَيُخَفِّفَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute