٥١٠ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
أَكْثَرَ " قَدْ فُسِّرَ فِي رِوَايَةٍ أَوْ سَبْعًا بَدَلُ قَوْلِهِ: أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَكَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى سَبْعٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِمُجَاوَزَةِ السَّبْعِ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَظَاهِرُهَا شَرْعِيَّةُ الزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ غَسْلَةِ السِّدْرِ قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ جَسَدَ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا غَسْلَةُ الْكَافُورِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّ الْمَاءَ تَغَيُّرُهُ بِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُطَيِّبُ رَائِحَةَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَجْلِ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّةَ نُفُوذٍ وَخَاصِّيَّةً فِي تَصْلِيبِ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَصَرْفِ الْهَوَامِّ عَنْهُ، وَمَنْعِ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْفَضَلَاتِ، وَمَنْعِ إسْرَاعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَقْوَى الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي جَعْلِهِ فِي الْآخِرَةِ إذْ لَوْ كَانَ فِي الْأُولَى مَثَلًا لَأَذْهَبَهُ الْمَاءُ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْبُدَاءَةِ فِي الْغُسْلِ بِالْمَيَامِنِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَلِي الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ.
وَقَوْلُهُ: " وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " لَيْسَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَنَافٍ لِإِمْكَانِ الْبُدَاءَةِ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَبِالْمَيَامِنِ مَعًا وَقِيلَ: الْمُرَادُ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا فِي الْغَسَلَاتِ الَّتِي لَا وُضُوءَ فِيهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا فِي الْغَسْلَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْوُضُوءِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ تَجْدِيدُ سِمَةِ الْمُؤْمِنِ فِي ظُهُورِ أَثَرِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ.
وَظَاهِرُ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ دُخُولُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَقَوْلُهَا: " ضَفَّرْنَا شَعْرَهَا " اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى ضَفْرِ شَعْرِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُرْسَلُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا، وَعَلَى وَجْهِهَا مُفَرَّقًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ أَنَّ الَّذِي فَعَلَتْهُ أُمُّ عَطِيَّةَ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ قَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ذَلِكَ بِلَفْظِ " قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَاجْعَلْنَ شَعْرَهَا ضَفَائِرَ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَاجْعَلْنَ لَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ» وَالْقَرْنُ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ الضَّفَائِرُ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ: " نَاصِيَتَهَا، وَقَرْنَيْهَا " فَفِي لَفْظِ ثَلَاثَةِ قُرُونٍ تَغْلِيبٌ، وَالْكُلُّ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ، وَالضَّفْرُ يَكُونُ بَعْدَ نَقْضِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَغَسْلِهِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ صَرِيحًا.
وَفِيهِ دَلَائِلُ عَلَى إلْقَاءِ الشَّعْرِ خَلْفَهَا وَذَهِلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِهِ إلَى بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَنَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى حَدِيثٍ غَرِيبٍ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ) بِضَمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute