١٧١ - وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَهُنَا وَهَهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ - وَلِابْنِ مَاجَهْ: وَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ - وَلِأَبِي دَاوُد: «لَوَى عُنُقَهُ، لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ» وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَجَرَى الْعَمَلُ بِهِ فِي الْحَرَمَيْنِ، وَالْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالْيَمَنِ، وَدِيَارِ مِصْرَ، وَنَوَاحِي الْغَرْبِ، إلَى أَقْصَى حِجْرٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ عَدَّ مَنْ قَالَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ.
قُلْت: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَمَنِ مَنْ كَانَ فِيهَا شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَرَفْت مَذْهَبَ الْهَادَوِيَّةِ، وَهُمْ سُكَّانُ غَالِبِ الْيَمَنِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ هَلْ هُوَ مَثْنَى أَوْ أَرْبَعٌ؟ أَيْ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ، وَهَلْ فِيهِ تَرْجِيعُ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ لَا؟ وَالْخِلَافُ فِي الْإِقَامَةِ - مَا لَفْظُهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ غَرَائِبِ الْوَاقِعَاتِ، يَقِلُّ نَظِيرُهَا فِي الشَّرِيعَةِ، بَلْ وَفِي الْعَادَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَلِيلَةٌ مَحْصُورَةٌ مُعَيَّنَةٌ، يُصَاحُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فِي أَعْلَى مَكَان، وَقَدْ أُمِرَ كُلُّ سَامِعٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يُذْكَرْ خَوْضُ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهَا، وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضَائِلِ، ثُمَّ جَاءَ الْخِلَافُ الشَّدِيدُ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْمُتَفَرِّقِينَ أَدْلَى بِشَيْءٍ صَالِحٍ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَ، وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ تَنَافٍ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ سُنَّةً كَمَا نَقُولُهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي أَمْثَالِهِ كَأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ، وَصُورَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ.
وَعَنْ " أَبِي جُحَيْفَةَ "، بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَفَاءٍ، هُوَ " وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ ابْنُ مُسْلِمٍ السُّوَائِيُّ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ الْعَامِرِيُّ. تَرَكَ الْكُوفَةَ، وَكَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ؛ جَعَلَهُ " عَلِيٌّ " عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ.
[قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ] أَيْ أَنْظُرُ إلَى فِيهِ مُتَتَبِّعًا [هَاهُنَا] أَيْ يَمْنَةً [وَهَاهُنَا] أَيْ يَسْرَةً [وَإِصْبَعَاهُ] أَيْ إبْهَامُهُمَا، وَلَمْ يَرِدْ تَعْيِينُ الْإِصْبَعَيْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا الْمُسَبِّحَتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute