١٠٥٧ - وَعَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قُرْآنًا، فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ خَبَرِ الْآحَادِ فِي الْعَمَلِ بِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ عَضَّدَهُ حَدِيثُ سَهْلَةَ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ لِتَحْرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلَ صَحَابِيَّةٍ، فَإِنَّهُ دَالٌّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مُتَقَرِّرًا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا الْخَمْسُ الرَّضَعَاتُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ.
وَأَمَّا حَقِيقَةُ الرَّضْعَةِ فَهِيَ الْمَرَّةُ مِنْ الرَّضَاعِ كَالضَّرْبَةِ مِنْ الضَّرْبِ وَالْجَلْسَةُ مِنْ الْجُلُوسِ فَمَتَى الْتَقَمَ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ وَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ عَارِضٍ كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً وَالْقَطْعُ لِعَارِضٍ كَنَفَسٍ، أَوْ اسْتِرَاحَةٍ يَسِيرَةٍ، أَوْ لِشَيْءٍ يُلْهِيهِ ثُمَّ يَعُودُ مِنْ قَرِيبٍ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا رَضْعَةً وَاحِدَةً كَمَا أَنَّ الْآكِلَ إذَا قَطَعَ أَكْلَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَادَ عَنْ قَرِيبٍ كَانَ ذَلِكَ أَكْلَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْقِيقِ الرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، فَإِذَا حَصَلَتْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ حَرَّمَتْ.
(وَعَنْهَا) أَيْ عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ، وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ إنَّهُ أَخِي، فَقَالَ اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَأَظُنُّهُ ابْنًا لِأَبِي الْقُعَيْسِ.
وَقَوْلُهُ: اُنْظُرْنَ أَمْرٌ بِالتَّحْقِيقِ فِي أَمْرِ الرَّضَاعَةِ هَلْ هُوَ رَضَاعٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِهِ مِنْ وُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ وَمِقْدَارِ الْإِرْضَاعِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ الرَّضَاعِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا وَقَعَ الرَّضَاعُ الْمُشْتَرَطُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الَّذِي إذَا جَاعَ كَانَ طَعَامُهُ الَّذِي يُشْبِعُهُ اللَّبَنَ مِنْ الرَّضَاعِ لَا حَيْثُ يَكُونُ الْغِذَاءُ بِغَيْرِ الرَّضَاعِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِإِمْعَانِ التَّحَقُّقِ مِنْ شَأْنِ الرَّضَاعِ، وَإِنَّ الرَّضَاعَ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَتَحِلُّ بِهِ الْخَلْوَةُ هُوَ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضِيعُ طِفْلًا يَسُدُّ اللَّبَنُ جُوعَهُ لِأَنَّ مَعِدَتَهُ ضَعِيفَةٌ يَكْفِيهَا اللَّبَنُ وَيَنْبُتُ بِذَلِكَ لَحْمُهُ فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْمُرْضِعَةِ فَيَشْتَرِكُ فِي الْحُرْمَةِ مَعَ أَوْلَادِهَا فَمَعْنَاهُ لَا رَضَاعَةَ مُعْتَبَرَةَ إلَّا الْمُغْنِيَةَ عَنْ الْمَجَاعَةِ، أَوْ الْمُطْعِمَةَ مِنْ الْمَجَاعَةِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّغَذِّيَ بِلَبَنِ الْمُرْضِعَةِ مُحَرَّمٌ سَوَاءٌ كَانَ شُرْبًا، أَوْ وَجُورًا، أَوْ سَعُوطًا، أَوْ حُقْنَةً حَيْثُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute