بَابُ الْغَصْبِ
٨٤١ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
أَصْلَ الْوَصْفِ التَّقْيِيدُ وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ضَمَانِهَا بِالتَّضْمِينِ كَمَا أَسْلَفْنَا لَا أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَيَكُون مُجْمَلًا كَمَا قِيلَ قَالَهُ الشَّارِحُ.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ» أَيْ مَنْ أَخَذَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَلْفَاظِ الصَّحِيحَيْنِ «ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إيَّاهُ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّطْوِيقِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ يُعَاقَبُ بِالْخَسْفِ إلَى سَبْعِ أَرْضِينَ فَتَكُونُ كُلُّ أَرْضٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ وَقِيلَ يُكَلَّفُ نَقْلَ مَا ظَلَمَهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الْمَحْشَرِ وَيَكُونُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ لَا أَنَّهُ طَوْقٌ حَقِيقَةً وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرْضِينَ ثُمَّ يُطَوِّقُهُ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ».
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا. وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِغَيْرِ حَقِّهَا كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَ تُرَابَهَا إلَى الْمَحْشَرِ» وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَالْغَصْبِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ وَإِمْكَانِ غَصْبِ الْأَرْضِ وَأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ أَسْفَلَهَا إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ، وَلَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ تَحْتَهَا سَرَبًا أَوْ بِئْرًا وَأَنَّهُ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ أَبْنِيَةٍ أَوْ مَعَادِنَ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِالْحَفْرِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ مَنْ يُجَاوِرُهُ وَأَنَّ الْأَرْضِينَ السَّبْعَ مُتَرَاكِمَةٌ لَمْ يُفْتَقْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهَا لَوْ فُتِقَتْ لَاكْتَفَى فِي حَقِّ هَذَا الْغَاصِبِ بِتَطْوِيقِ الَّتِي غَصَبَهَا لِانْفِصَالِهَا عَمَّا تَحْتَهَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ مَغْصُوبَةً بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَهَلْ تُضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ الْغَصْبِ، فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ لَا تُضْمَنُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا أَخَذَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» قَالُوا وَلَا يُقَاسَ ثُبُوتُ الْيَدِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ قِيَاسًا عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ يُضْمَنُ بَعْدَ النَّقْلِ بِجَامِعِ الِاسْتِيلَاءِ الْحَاصِلِ فِي نَقْلِ الْمَنْقُولِ وَفِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ بَلْ الْحَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute